وعلى التقدير
الثاني [١] بالطلب المستفاد منهما ، فلو كانا حقيقتين في الوجوب ـ كما
هو الحقّ ـ انحصر الأمر في الإيجاب أو ما يفيده ، والمأمور به في الواجب ، فلا
يكون المندوب مأمورا به ، كما تقدّم [٢] وإن كان مطلوبا ،
فبطل ما اورد على الحدّ ، بأنّه يصدق على ما يفيد الندب مع عدم كون المندوب مأمورا
به.
وبما ذكر يظهر أنّ
التعبير عن الخلاف في أنّ الإيجاب هل له صيغة تخصّه أم لا؟ ـ أي صيغة « افعل » وما
بمعناها حقيقة في الوجوب أم لا ـ بالخلاف في أنّ الأمر هل له صيغة تخصّه أم لا؟ ـ كما
ارتكبه جماعة [٣] ـ صحيح ، فتخطئة هذه الترجمة ـ نظرا إلى عدم الخلاف في
إمكان التعبير عن مطلق الطلب بمثل « أمرتك » و « أنت مأمور » ومقيّده بمثل « أوجبت
» و « ندبت » ـ خطأ ؛ لأنّ مرادهم أنّ الطلب هل له صيغة تدلّ عليه وضعا بهيئتها ،
بحيث لا تدلّ على غيره؟ ومثل « أمرتك » ليس كذلك ؛ لأنّ حقيقته الإخبار.
بقي الكلام في سبب
التعبير عن الإيجاب بلفظ الأمر ، والظاهر أنّ سببه كون الإيجاب آكد من الندب في
كونه أمرا. والمراد من الدلالة في الحدّ هو المطابقة لا الالتزاميّة ، فلا ينتقض
طردا بمثل « لا تستقرّ » و « لا تسكت » ، وعكسا بمثل « اجتنب » و « اسكت ».
اعلم أنّ الأمر
لمّا كان من جنس الكلام ـ وهو على التحقيق ينحصر باللفظي المركّب من الحروف
والأصوات ، ولا يصحّ النفسي الذي أثبته الأشاعرة [٤] وهو المعنى القائم بالنفس ، المغاير لجنس الحروف والأصوات [٥] ، كما ثبت في محلّه ـ فيجب أن يحدّ الأمر بما حقيقته الحروف والأصوات ،
كالقول واللفظ والصيغة بشرائطه [٦] ، كما حدّدناه به [٧] ، لا بما حقيقته
المعنى القائم بالنفس كالطلب ومثله ؛ فإنّ المقصود بالذات إظهاره وإلقاؤه إلى
المخاطب