لا يمكن حملها على
نفي الحقيقة ؛ لجواز وجودها مع عدم ما ذكر ، فلا بدّ من حملها على المجاز ، وهو
متعدّد ، كنفي الصحّة ، ونفي الثواب ، ونفي الكمال ، ولا شبهة في أنّ الأوّل أقرب
إلى نفي الحقيقة من الآخرين ؛ لأنّه يقتضي انتفاء جميع الأحكام واللوازم التي
للحقيقة ، فلا يبقى منها سوى اسم فقط ، بخلافهما ؛ فإنّهما يقتضيان انتفاء لازم
واحد فقط ، فهما بعيدان عن نفي الحقيقة ، فيجب الحمل على الأوّل.
فصل [١٣]
اشتهر أنّ الأصل
في الكلام الحقيقة ، وقد اشتبه على كثير منهم حقيقة الأمر ، ولذا يوردونه في غير
موضعه ، ونحن نشير إلى الصور الآتية في المسألة ، ونقول : غرض القوم أيّ صورة منها
، فنقول : الصور المتصوّرة أربع :
الأولى : أن يكون اللفظ مع القرينة الدالّة على المعنى الحقيقي ،
أو المجازي ، ولا شبهة حينئذ في لزوم العمل بمقتضاها.
الثانية : أن يكون الاستعمال معلوما ، ولم يعلم أنّ هذا الاستعمال
على سبيل الحقيقة أو المجاز ، ولم يعلم في الخارج لهذا اللفظ معنى حقيقي أو مجازي
، بل كانت المعلوميّة منحصرة بأنّ هذا اللفظ مستعمل في هذا المعنى الذي لا يعلم
أنّه حقيقة له أو مجاز. وحينئذ فالمشهور [١] بين القوم أنّ
هذا الاستعمال أعمّ من الحقيقة والمجاز ، ولا يجزم بأحدهما إلاّ بالقرائن.
والسيّد المرتضى
رضى الله عنه على أنّ الأصل في الاستعمال في هذه الصورة الحقيقة [٢].
وبعض المتأخّرين
على أنّ الأصل فيه المجاز [٣] ؛ نظرا إلى كثرة وروده في المحاورات الشرعيّة واللغويّة
والعرفيّة.
والحقّ مع المشهور
؛ لأنّ الحمل على أحدهما بدون قرينة يستلزم الترجيح بلا مرجّح ؛ لفقد الرجحان من
الطرفين.