اعلم أنّه إذا ثبت
حكم بحكمة ومظنّتها ، فالمتصوّر من الاطّراد والانعكاس ثلاثة :
الأوّل : اطّراد
المظنّة ـ أي العلّة ـ وانعكاسها بالنسبة إلى الحكم ، وقد تقدّم [١].
الثاني : اطّراد
الحكمة وانعكاسها بالنسبة إليه ، وقد تقدّم بيان اطّرادها [٢]. وأمّا انعكاسها ـ أي كونها بحيث كلّما عدمت عدم الحكم ـ وإن لم يستبق بيانه صريحا
، إلاّ أنّه ظهر ممّا تقدّم [٣] تلويحا عدم اشتراطه في صحّة العلّيّة ، وعدم قدح عدمه ـ وهو
ثبوت الحكم في محلّ بدونها ـ فيها ؛ لأنّ الباعث الحقيقي للحكم إمّا هي ، أو
مظنّتها.
وعلى التقديرين لا
يقدح.
أمّا على الأوّل ،
فلما عرفت من جواز تعليل حكم واحد بعلّتين ، أو أكثر.
وأمّا على الثاني
، فلعدم مدخليّتها في الحكم حينئذ حتّى يعتبر انعكاسها.
الثالث : اطّراد
المظنّة وانعكاسها بالنسبة إلى الحكمة ، أي كلّما وجدت المظنّة وجدت الحكمة ،
وكلّما عدمت عدمت. فعدم اطّرادها بالنسبة إليها أن يثبت المظنّة في محلّ بدون الحكمة
، كسفر الملك المرفّة ؛ حيث لم يوجد فيه الحكمة وهي المشقّة ووجدت مظنّتها وهو
السفر. وعدم انعكاسها بالنسبة إليها أن يثبت الحكمة في محلّ بدونها ، كحضر اولي
الصنائع الشاقّة ؛ حيث وجدت فيه المشقّة بدون السفر. وكلّ من هذا الطرد والعكس
بتداخل أحد الأقسام المتقدّمة [٤].
فالتصريح بأنّ
عدمها هل يبطل العلّيّة أم لا؟ وإن لم يسبق ، إلاّ أنّه علم حكمه ضمنا.
بيانه : أنّ
المراد من عدم اطّرادها هنا إن كان عدم اطّرادها بالنسبة إلى الحكمة فقط دون الحكم
ـ أي وجودها مع الحكم بدون الحكمة ـ فهو عدم العكس الثاني ، أي المقابل للكسر ؛
لأنّ المراد منه وجود الحكم بدون الحكمة ، سواء تحقّق معه وجود العلّة أم لا.