في المعلوليّة
يكون حينئذ بظاهر عامّ ، فيتأتّى التخصيص من طرف كلّ منهما ، فكما يجوز تخصيص
العلّة بغير محلّ النقض ، فكذا يجوز تخصيص الحكم بغير محلّ عدم العكس.
قلت : هذا حقّ ،
ولكنّ معنى تخصيص الحكم العامّ أن يجعل العلّة علّة لبعض أفراده دون بعضها الآخر ،
وهذا البعض لا بدّ له من علّة اخرى ، فهو يتوقّف على جواز تعليله بعلّتين ، وبدونه
لا يجوز ؛ للزوم ثبوت الحكم بدون علّة.
وبما ذكر ظهر أنّ
الجواب عن عدم العكس إمّا بيان جواز تعليل الحكم بعلّتين وإسناد ما في محلّ عدم
العكس إلى علّة اخرى ، أو بيان التخصيص في الحكم وإن لم ينفكّ هذا عن الأوّل ، كما
أنّ تخصيص العلّة لا ينفكّ عن وجود مانع ، أو انتفاء شرط وهو [١] إنّما يتأتّى في المنصوصة ، ووجهه ظاهر ممّا تقدّم [٢] في النقض.
وقد بان ممّا ذكر
أنّ استناد الحكم هنا إلى علّة اخرى قائم مقام وجود المانع ؛ أو انتفاء الشرط في
النقض.
بقي الكلام في جواز تعليل الحكم بعلّتين أو علل عقلا
وقد اختلف فيه على
أقوال [٣] : ثالثها الجواز في المنصوصة دون المستنبطة [٤] ، ورابعها عكسه [٥].
ثمّ بعد الجواز قد
اختلف في الوقوع ، فالأكثر [٦] عليه أيضا. وقيل بعدمه [٧].
ومحلّ الخلاف
تعليل الحكم الواحد بالشخص ـ أي متّحد المحلّ [٨] ـ بعلّتين أو علل
، كلّ
[٤] قاله الفخر
الرازي في المحصول ٥ : ٢٧١ ، والأسنوي في نهاية السؤل ٤ : ١٩٥ ، والشهيد الثاني في
تمهيد القواعد : ٢٦٦ ، القاعدة ٩٥.
[٥] حكاه الغزالي عن
القاضي الباقلاني في المستصفى : ٣٣٦ ، ونسبه الشهيد الثاني في تمهيد القواعد : ٢٦٦
إلى الفخر الرازي ، ولكنّ كلامه في المحصول ٥ : ٢٧١ ، خلاف لما نسب إليه الشهيد.
[٦] راجع : المحصول
٥ : ٢٧١ ـ ٢٧٨ ، والإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٢٥٨ ، وتمهيد القواعد : ٢٦٦ ،
القاعدة ٩٥.
[٧] قاله الآمدي في
الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٢٥٨.
[٨] هذا التفسير
لإخراج مسألة استحالة صدور الواحد عن الكثير عمّا نحن فيه ؛ فإنّ الوحدة في تلك
المسألة حقيقيّة وفيما نحن فيه غير حقيقيّة ، كما في مثال إباحة وطء امرأة بعينها
بالعقد والملك ؛ فإنّ امرأة بعينها لا يمكن أن يباح وطؤها بكليهما إلاّ أن تكون
زمانا أمة ، فإباحة وطئها بالملك ، وإذا عتقت وصارت حرّة فإباحة وطئها بالعقد ،
فصارت ذات إباحتين ، وهذا ليس صدور الواحد عن الاثنين.