وقيل : هو في
الحقيقة مركّب من القياس المنطقي والاستقراء ؛ لأنّا إذا أثبتنا علّيّة وصف معيّن
لحكم ، كالإسكار للتحريم باعتبار وجوده في الأصل ، كالخمر ، لزم منه صدق قولنا : « كلّ مسكر حرام » فيتألّف قياس اقتراني ، هكذا : «
النبيذ مسكر » ، و « كلّ مسكر حرام » فينتج : « النبيذ حرام ». والصغرى يقينيّة ،
والكبرى معلومة بالاستقراء [١].
وفيه : أنّه يجب
أن يكون الأوسط في الكبرى علّة لوجود الأكبر ، ولا يكفي مجرّد كونه معه في كونه
علّة له ما لم ينضمّ إليه ما يدلّ على العلّيّة ، كنصّ ، أو مناسبة ، أو غير ذلك. والمعلوم من
الاستقراء ليس إلاّ مجرّد اقتران الوصف بالحكم من غير دلالته على العلّيّة ، فلا
يستفاد الكبرى من الاستقراء.
وحاصل القياس
الفقهي مساواة فرع لأصل لعلّة حكمه ، أو إجراء الأصل في الفرع بجامع ، أو تعدية
الحكم من الأصل إلى الفرع لعلّة متّحدة فيهما ، أو حمل معلوم على معلوم في إثبات
حكم لهما ، أو نفيه عنهما بأمر جامع بينهما.
فعلى الأوّل يكون
القياس شيئا ثابتا في نفسه. وعلى البواقي يكون فعلا من أفعال المجتهد. فإذا قلنا :
الأرز ربوي ؛ لاشتراكه مع البرّ في علّة ربوبيّته وهو الكيل والوزن ، يكون القياس
على الأوّل نفس الاشتراك في الواقع ، أو في نظر المجتهد ، وعلى البواقي الفعل
المذكور.
والحقّ ، صحّة كلّ
واحد من هذه الحدود من غير اختلال فيه طردا وعكسا.
وما اورد عليه [٢] ظاهر الاندفاع ، ولذا أعرضنا عنه. وله حدود أخر [٣] مزيّفة تركناها ؛ لعدم فائدة في ذكرها.
فصل [٣]
قد علمت من حدّ
القياس أنّ أركانه أربعة : الأصل ، والفرع ، والعلّة ، والحكم. ولا كلام في أنّ العلّة
هو الوصف الجامع ، والحكم هو حكم الأصل.
[١] نسبه الغزالي
إلى الفلاسفة في المستصفى : ٢٨٠ ـ ٢٨١ ، ولكنّ القول للشهيد الثاني في تمهيد
القواعد : ٢٥٧ كما يفهم من تمثيله.
[٢]و ٣) راجع :
المستصفى : ٢٨٠ و ٢٨١ ، والإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٢٠٦ ـ ٢٠٩ ، ونهاية السؤل ٤
: ٢ ـ ٤.