أمّا الأوّل ؛
فلأنّ غلبة الظنّ في ذهن المجتهد ترجّح إرادة الشارع لتعميم الحكم ، فالمخالفة
تؤدّي إلى ترجيح المرجوح ؛ على أنّ الإجماع منعقد على جواز عمل المجتهد بظنّه ،
وقد سبق [١] أنّه لو لم يعمل به لزم تعطيل الأحكام ، وسدّ أبواب الحلال
والحرام ، فالعمل به من باب الرخصة الناشئة عن الضرورة في زمن الغيبة ، وإلاّ فدين
الله أجلّ من أن لا ينصب عليه قاطع يعرفه إمام عادل.
لا يقال : الظنّ
الذي يجوز العمل به إنّما هو الحاصل عن أمارة شرعيّة دون غيره.
لأنّا نقول : لو
سلّم هذا ، فما نحن فيه أيضا منه ، وهو ظاهر.
وأمّا الثاني
فواضح بعد ما ذكر.
وكيفيّة التفريع :
أنّه لو اختلف في الوتر فنقول : إنّه مندوب ؛ لأنّ ما وجدنا من أفراد الصلوات
الواجبة لا يجوز أن يؤدّى على الراحلة ، فثبت منه أنّ كلّ صلاة واجبة كذلك ،
والوتر يجوز أن يصلّى على الراحلة بالإجماع ، فلا يكون واجبا.
فصل [٩]
ومن النوع الثالث [٢] الاحتياط. وقد عرفت معناه والفرق بينه وبين التوقّف.
وقد اختلفوا في
وجوب العمل به ، فالأخباريّون على وجوبه فيما لا نصّ فيه ، وفيما تعارض فيه
النصّان بعد عدم الظفر بمرجّح [٣]. والمجتهدون ـ لمّا قالوا بحجّيّة البراءة الأصليّة مع عدم
الدلالة الناقلة ، وبالتخيير فيما تعارض فيه النصّان مع عدم المرجّح ـ ذهبوا إلى
استحبابه فيهما [٤] ، وهو الحقّ.