واحتجّ من قال
بحجّيّته بالذات في الأحكام الوضعيّة لا غير :
بأنّ الأحكام
الشرعيّة لا يجري فيها الاستصحاب مطلقا ؛ لأنّه إذا ورد أمر بطلب شيء فلا يخلو :
إمّا أن يكون موقّتا أم لا ، فعلى الأوّل ، يكون وجوب هذا الشيء وندبه في كلّ
جزء من [١] هذا الوقت ثابتا بالأمر ، ففي الزمان الثاني يثبت الحكم
بالأمر ، فلا حاجة فيه إلى الاستصحاب. وعلى الثاني أيضا كذلك إن قلنا بإفادة
الأمر التكرار ، وإلاّ فيكفي الإتيان بفرد يتحقّق في ضمنه الماهيّة وليس فيه
استصحاب. وكذا الحكم في النهي.
وأمّا الأحكام
الوضعيّة كالأسباب وغيرها : فإمّا أن يكون سببيّتها ـ مثلا ـ على الإطلاق ،
كسببيّة الإيجاب والقبول لإباحة التصرّفات والاستمتاعات ، فإنّ سببيّتهما على
الدوام إلاّ أن يتحقّق مزيل ، أو في وقت معيّن ، كالدلوك والكسوف والحيض ، سواء
كان السبب وقتا للحكم أو لا ؛ فإنّها أسباب للحكم في أوقات معيّنة لا دائما.
وجميع ذلك ليس من الاستصحاب في شيء ؛ لأنّ ثبوت الحكم في شيء من أجزاء الزمان
الثابت فيه الحكم ، ليس تابعا للثبوت في جزء آخر ، بل نسبة السبب في اقتضاء
الحكم في كلّ جزء نسبة واحدة ، فلا معنى لجريان الاستصحاب في الحكم الذي يقتضيه
السبب من حيث إنّه حكم.
نعم ، إذا شكّ
في تحقّق السبب في جزء من الزمان يمكن إجراء الاستصحاب فيه.
وكذا الكلام في
الشرط والمانع وغيرهما ، فالاستصحاب المختلف فيه لا يكون إلاّ في الأحكام
الوضعيّة من حيث هي ، ووقوعها في الشرعيّة بتبعيّتها ، كما يقال في الماء الكرّ
المتغيّر بالنجاسة : إذا زال تغيّره من قبل نفسه يجب الاجتناب عنه ؛ لوجوبه قبل
الزوال. فإنّ مرجعه إلى أنّ النجاسة كانت ثابتة قبل زوال تغيّره ، فكذا بعده.
وقس عليه مثال المتيمّم إذا وجد الماء في أثناء الصلاة وغيره.
ثمّ لو لم تكن
الأخبار لم يكن الاستصحاب في مطلق الأحكام الوضعيّة أيضا حجّة ، وإن أمكن جريانه
فيها ؛ لأنّ العلم بوجود السبب أو الشرط أو المانع في وقت لا يقتضي العلم بوجوده
في غير ذلك الوقت ، فإذا زال العلم بوجوده في