ثمّ لو سلّم
تعميمه واندفاع الوجهين الأوّلين [١] به ، فلا نسلّم
اندفاع الوجه الثالث به. وما ذكره في بيانه [٢] واه ؛ لأنّ
التعليق إنّما وقع حقيقة في الماضي الذي يتلفّظ به وهو غير جائز ، ولو سلّم عدم
وقوع التعليق فيه حقيقة ، فنقول : إنّ الثابت في الذهن ليس تعليق الطلاق الواقع
فيه ، بل تعليق الماضي الواقع فيه ، ومطلق الماضي ـ سواء كان في اللفظ ، أو في
الذهن ـ لا يقبل التعليق ، فلا مفرّ إلاّ القول بكونها إنشاء.
فصل [٢]
المشهور أنّ الصدق
مطابقة الخبر للواقع ، والكذب عدم مطابقته له.
والنظّام على أنّ
الصدق مطابقة الخبر لاعتقاد المتكلّم ، والكذب عدمها ، ولا عبرة فيهما بمطابقته
للواقع وعدمها [٣].
والجاحظ على أنّ
الصدق مطابقته للواقع ، والاعتقاد بها [٤] معا ، والكذب عدم
مطابقته له مع الاعتقاد بعدمها ، وما لم يحمل عليه الوصفان لا يكون صدقا ولا كذبا
، بل واسطة بينهما ، وهي أربعة أقسام : مطابقته للواقع مع الاعتقاد بعدمها ، أو
بدون اعتقاد أصلا ـ كخبر من لا شعور له كالمجنون وأمثاله ، أو له شعور بدون اعتقاد
كالشاكّ ـ وعدم مطابقته له مع اعتقادها ، أو بدونه أصلا [٥].
والحقّ القول
المشهور كما أشرنا إليه سابقا [٦]. والذي يدلّ على حقّيّته وإبطال القولين الأخيرين أنّ
الكافر إذا قال : « الإسلام حقّ » يحكم بصدقه ، وإذا قال خلافه ، يحكم بكذبه
إجماعا.
[١] والمراد بهما
صدق الإنشاء وعدم صدق الخبر. والمراد بالوجه الثالث قوله : « ولأنّها لمّا كانت ...
».
[٢] وهو قوله : « ولم
تقبل التعليق بل القابل له حقيقة ما في الذهن ».
[٥] راجع : الذريعة
إلى أصول الشريعة ٢ : ٤٧٩ ، والإحكام في أصول الأحكام ٢ : ١٧ ، ونهاية الوصول إلى
علم الأصول ٣ : ٢٨٨ ـ ٢٩١ ، وتمهيد القواعد : ٢٤٧ ، القاعدة ٩١.