حجّة وبرهان ،
ولذا وقع بينهم اختلافات كثيرة ، وقد نقل [١] أنّ المصاحف التي
وقعت إلى القرّاء في عصر القراءة كانت خالية عن الإعراب والنقط ، ولم تكن معربة
ممّن كان قبلهم من الذين أدركوا النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ورووا عنه.
نعم ، ذكر بعض
الادباء أنّ أبا الأسود الدؤلي أعرب مصحفا واحدا في زمان خلافة معاوية ، فلمّا
رأوا المصاحف خالية عن الإعراب والنقط ، تصرّفوا فيها على ما اقتضته آراؤهم
ووافقته مذاهبهم في اللغة والعربيّة ، كما تصرّفوا في سائر العلوم من النحو
والتصريف ، فحصل اختلاف كثير بينهم في الإعراب والنقط والإدغام والإمالة وأمثالها
، وكان أصحاب الآراء في القراءة كثيرة ، وكان دأب الناس أنّه إذا جاء قار جديد
صاحب رأي ، أخذوا بقوله وتركوا قراءة من تقدّمه ، سواء كان من السبعة ، أو لا ؛
نظرا إلى أنّ كلّ قار متأخّر كان منكرا لقول من تقدّم عليه ، ثمّ بعد زمان رجعوا
عن هذه الطريقة ، وبعضهم يأخذ قول بعض المتقدّمين ، وبعضهم يأخذ قول بعض آخر منهم
، فحصل بين الناس في ذلك اختلاف ، ثمّ اتّفقوا على الأخذ بقول السبعة من غير بيّنة
وحجّة ؛ لأنّ الأرجح منهم في أصحاب الآراء كان كثيرا ، فإذا كان قولهم بمجرّد
الرأي من غير استناد إلى قول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ومن قوله حجّة لنا ، كيف يبقى الوثوق بقولهم؟! بل كثيرا ما
ينقل قولهم مقابلا لقول المعصوم ، كما يقال : قراءة عاصم أو حفص كذا ، وقراءة عليّ
عليهالسلام كذا ، وربما يجعل قولهم قسيما لقول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، كما يظهر في الاختلاف الواقع في قراءة ( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ
عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ )[٢].
ثمّ لو سلّم أنّ
بناء قراءتهم على الرواية من النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلا نسلّم حجّيّتها لنا كرواية الحديث ، لكونهم مخالفين.
ولا يخفى أنّ ما
ذكر لا يخلو عن قوّة ، إلاّ أنّ الأمر فيه سهل ؛ لأنّ أمر الإعراب والنقط والإمالة
وأمثالها لمّا كان ظاهرا من اللغة ، صار موكولا إلى أهل اللسان ، ولم يتعرّضه
[١] راجع النشر في
القراءات العشر ١ : ٧ ، ومناهل القرآن في علوم القرآن ١ : ٢٥١ ، وآلاء الرحمن في
تفسير القرآن ـ ضمن موسوعة العلاّمة البلاغي ـ ١ : ٤٤ ـ ٧٥.