قد تقدّم [٢] أنّ الفهم والعلم شرط التكليف ، ولذا لا يتعلّق بالساهي والغافل وغير العاقل
وأمثالهم. وربما يتراءى تنافيه لما ذكر القوم من تعلّق التكليف بالجاهل وعدم
معذوريّته إلاّ في مواضع مخصوصة ؛ لأنّ العلم إن كان شرطا في التكليف لزم عدم
تعلّقه بالجاهل أيضا ، وإن لم يكن شرطا له لزم تعلّقه بالساهي وغير العاقل
وأمثالهما أيضا [٣].
والحقّ عدم
المنافاة ؛ لأنّ سقوط التكليف عنهم بناء [٤] على فقدانهم
العلم ، وعدم تمكّنهم من تحصيله أيضا. فلو كلّفوا مع ذلك يلزم التكليف بما لا يطاق
، ولذا حكموا بسقوط التكليف فيما لا نصّ فيه ، وصرّحوا فيه بالإباحة ؛ لأنّ
التكليف به مع عدم إمكان تحصيل العلم به من الأدلّة تكليف بما لا يطاق.
وأمّا تكليف
الجاهل فليس تكليفا بما لا يطاق ؛ لأنّ عدم علمه باعتبار تقصيره ؛ فإنّه كان
متمكّنا من تحصيله فقصّر ولم يحصّله ؛ فإنّ كلّ مكلّف يعلم أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله أتى بواجبات ومحرّمات كلّف بها كلّ مكلّف ، ومكّنه الله من العلم بها ، فلو
سامح ولم يحصّلها يكون عاصيا باعتبار التقصير.
فمثله مثل عبد
أعطاه سيّده طومارا مطويّا فيه بعض الأوامر ، وقال له : يلزم عليك أن تفتحه وتقرأه
وتعمل بجميع ما فيه ، وكان العبد متمكّنا من قراءته إمّا بنفسه أو بإعانة الغير ،
فلو لم يعمل به متعذّرا بعدم العلم به عدّ عاصيا.
ومثل غير العاقل
والساهي ومن لم يصل إليه دليل الحكم بعد الفحص التامّ ، مثل عبد