الآفات عنهم وصحة
عقولهم وأجسادهم لا يقدرون على قليل من الأفعال ولا كثير ، وأنهم مضطرون
إلى ما هم فيه من حركة أو سكون أو قيام أو قعود أو نظر أو استمتاع ، وأنهم
بمنزلة الحجارة التي إن حركت تحركت وإن تركت وقفت على حال واحدة حتى يرد
عليهم السكون الدائم الذي هو آخر ما في قدرة الله عنده.
وقال الخياط في رده : إن أبا الهذيل كان
يزعم أن الدنيا دار عمل والآخرة دار جزاء وليست بدار عمل ولا دار أمر ولا
نهي ولا محنة ولا اختبار ، قال : فأهل الجنة في الجنة يتنعمون فيها ويلتذون
، والله تعالى المتولي ذلك النعيم الذي يصل إليهم وهم غير فاعلين له ، ولو
كانوا في الجنة مع صحة عقولهم وأبدانهم يجوز منهم اختيار الأفعال ووقوعها
منهم لكانوا مأمورين منهيين ، ولو كانوا كذلك لوقعت منهم الطاعة والمعصية ،
ولكانت الجنة دار محنة وأمر ونهى ، ولم تكن دار ثواب ، وكان سبيلها سبيل
الدنيا ، وقد جاء الإجماع بأن الدنيا دار عمل وأمر ونهي ، والآخرة دار جزاء
وليست بدار أمر ولا نهي ، وهذا الاجماع يوجب ما قلت ، فهذه حجة أبي الهذيل
في نفيه أن يكون أهل الجنة يفعلون في الحقيقة. [١]
التحقيق في قول أبي
الهذيل العلاف والجهم بن صفوان
إنّ نسبة القول بفناء حركات أهل الجنة
والنار إلى أبي الهذيل بعيدة ، فإنه لا يقول به إنسان عاقل فضلاً من أن
يقول به أبو الهذيل العلاف ، ويمكن حمل كلامه على ما فسره الخياط المعتزلي ،
وإن كان لا يخلو من إشكال ، لأن كون الانسان مخيراً في أفعاله في الجنة لا
يلزم منه أن يكون مأموراً ومنهياً ، ولا يقتضي ذلك وقوع الطاعة والمعصية
منهم ، فبعض الناس وصلوا في الدنيا إلى