والله
لا تتهنّأ بذلك ، عهد معهود ، فاصنع ما أنت صانع ؛ فإنّك لا تفرح بعدي بدنيا ولا
آخرة ، وكأنّي برأسك على قصبة يتراماه الصبيان بالكوفة ، ويتخذونه غرضاً بينهم».
فصرف ابن سعد وجهه عنه مغضباً [١].
واستحوذَ الشّيطان على ابن سعد فوضع
سهمه في كبد قوسه ثمّ رمى باتجاه معسكر الحسين عليهالسلام
وقال : اشهدوا
أنّي أوّلُ مَنْ رمى. ثمّ ارتمى النّاس
وتبارزوا [٢].
فخاطب الإمام عليهالسلام أصحابه قائلاً : «قوموا رحمكم الله إلى
الموت الذي لا بدّ منه ؛ فإنّ هذه السّهام رسل القوم إليكم»
[٣].
فتوجهوا إلى القتال كالأُسود الضارية لا
يبالون بالموت ، مستبشرين بلقاء الله (جلّ جلاله) ، وكأنّهم رأوا منازلهم مع النّبيين
والصّديقين وعباده الصّالحين ، وكان لا يُقتل منهم أحد حتّى يقول : السّلام عليك
يا أبا عبد الله ، ويوصي أصحابه بأن يفدوا الإمام بالمهج والأرواح ، واحتدمت
المعركة بين الطرفين ، (فكان لا يُقْتَلُ الرجل من أنصار الحسين عليهالسلام حتّى يَقْتل العشرة
والعشرين) [٤].
استمرت رحى الحرب تدور في ساحة كربلاء ،
واستمر معه شلاّل الدم المقدّس يجري ليتّخذ طريقه عبر نهر الخلود ، وأصحابُ الحسين
عليهالسلام
يتساقطون الواحد تلو الآخر ، وقد أثخنوا جيش العدو بالجراح ، وأرهقوه بالقتل ، فتصايح
رجال عمر بن سعد : لو استمرت الحرب برازاً بيننا وبينهم لأتوا على آخِرنا ، لنهجم
عليهم مرّة واحدة ، ولنرشقهم بالنّبال والحجارة.