انقضت ليلة الهدنة ، وطلع ذلك اليوم
الرهيب يوم عاشوراء ، يوم الدم والجهاد والشّهادة ، وطلعت معه رؤوس الأسنّة
والرماح والأحقاد وهي مشرعة لتلتهم جسد الحسين عليهالسلام
، وتفتك بدعاة الحقّ والثوّار من أجل الرسالة والمبدأ.
نظر الحسين عليهالسلام إلى الجيش الزاحف ،
ولم يزل عليهالسلام
كالطود الشّامخ ، قد اطمأنت نفسه ، وهانت دنيا الباطل في عينه ، وتصاغر جيش الباطل
أمامه ، ورفع يديه متضرّعاً إلى الله تعالى قائلاً : «اللّهمّ أنت ثقتي في
كلّ كَرْب ، وأنت رَجائي في كلّ شِدّة ، وأنت لي في كلّ أمر نَزَلَ بي ثقةٌ
وعدَّةٌ ، كم مِنْ همٍّ يَضْعَفُ فيه الفؤاد ، وتقلّ فيه الحيلة ، ويخذُلُ فيه
الصّديق ، ويشمت فيه العدوّ ، أنزلته بك وشكوته إليك ؛ رغبة منّي إليك عمّن سواك
ففرّجته عنّي وكشفته ، فأنت وليّ كلّ نعمة ، وصاحب كلّ حسنة ، ومنتهى كلّ رغبة»
[١].
خطاب الإمام عليهالسلام في جيش الكوفة
أخذ جيش عمر بن سعد يشدِّد الحصار على
الإمام عليهالسلام
، ولمّا رأى الحسين عليهالسلام
كثرتهم وتصميمهم على قتاله إذا لم يستسلم ليزيد بن معاوية ، تعمّم بعمامة رسول
الله صلىاللهعليهوآله
، وركب ناقته ، وأَخذ سلاحه ، ثمّ دنا من معسكرهم بحيث يسمعون صوته وراح يقول : «يا أهل العراق ـ
وجُلُّهُمْ يسمعون ـ فقال : أيّها النّاس ، اسمعوا قولي ولا تعجلوا ؛ حتّى أعظَكم
بما يحقّ لكم عليَّ ، وحتى أُعْذَرَ إليكم ، فإن أعطيتموني النّصف كنتم بذلك أسعد
، وإن لم تعطوني النّصف من أنفسكم فاجمعوا رأيكم