وأبان لهم درجات العلم ودركات الجهالة ، فأعطاهم الاختيار حتّى يختاروا ما
يشاؤون من مسلك الأخيار والأشرار ، أشار في هذه الآية الشريفة إلى اختلاف استعدادتهم
، وتفاوت إمكاناتهم في ذلك الاختيار.
بمعنى أنّ
الحقّ تعالى لقد بيّن للكلّ سبيل الهدى والعرفان ، وأفاض على الكلّ أمطار العلم
والإيقان ببيان واحد ، وإفاضة واحدة ، إلّا أنّ القابلين لقد اختلفت طرقهم في أمر
السعادة والشقاوة لاختلاف قبولهم ، واستعدادهم الأزليّ من غير أن يتفاوت فيض
الفيّاض بالنسبة إليهم.
كيف وفيّاضيّته
عامّة ، حيث لا يتصوّر بخل في فيضه أصلا ، وعدم استفاضة غير القابل المفاض عليه ،
لعدم استعداده ، وإمكانه الناشئ من جهته الذاتيّة لا يوجب نقص الفيّاض وبخله ، بل
نقص المحلّ لعدم قبوله :
قبول ماده شرط
است در إفاضه فيض
وگر نه بخل
نيايد زمبدء فيّاض
أما ترى إلى
الشمس حين تطلع من المشرق تشرق كلّ الأمكنة ، وتطلع على كلّها ؛ من غير أن يقصر
نورها عن البلوغ إلى جميع الجهات ، إلّا أن يكون لمكان حاجب عن الاستضاءة بنور
الشمس ، فإنّه يحرم عن فيض النور لا لنقص في الشمس ، فإنّها في مقام يمكن لها
إضاءة كلّ الأمكنة ، بل لنقص في ذلك المكان للحجاب المانع عن قبول النور.
فإيضاح الله
تعالى سبله إنّما كان لجميع خلقه من غير أن يخصّ بعضا دون بعض ، حتّى يلزم الظلم ؛
كما قال : (إِنَّا هَدَيْناهُ
السَّبِيلَ) ... إلى آخره.
إلّا أنّ الناس
قد اختلفوا بحسب تفاوت إمكاناتهم الأزليّة ، فاهتدى بالسبيل من استعدّ للهداية ،
وضلّ عنها من استعدّ للضلالة.