النَّاسُ مَعَهُ،وَ كَادَ أَنْ يَطِيرَ قَلْبُهُ مِمَّا رَأَى مِنْ عُدَّةِ الْقَوْمِ وَ جَمْعِهِمْ،وَ رَجَعَ يَهْرُبُ مِنْهُمْ،فَنَزَلَ جَبْرَئِيلُ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)فَأَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)بِمَا صَنَعَ عُمَرُ،وَ أَنَّهُ قَدِ انْصَرَفَ وَ انْصَرَفَ الْمُسْلِمُونَ مَعَهُ.
فَصَعِدَ النَّبِيُّ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)الْمِنْبَرَ،فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ،وَ أَخْبَرَهُمْ بِمَا صَنَعَ عُمَرُ وَ مَا كَانَ مِنْهُ،وَ أَنَّهُ قَدْ انْصَرَفَ[وَ انْصَرَفَ]الْمُسْلِمُونَ مَعَهُ مُخَالِفاً لِأَمْرِي،عَاصِياً لِقَوْلِي،فَقَدِمَ عَلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ بِمِثْلِ مَا أَخْبَرَ بِهِ صَاحِبَهُ، فَقَالَ:يَا عُمَرُ،عَصَيْتَ اللَّهَ فِي عَرْشِهِ وَ عَصَيْتَنِي،وَ خَالَفْتَ قَوْلِي،وَ عَمِلْتَ بِرَأْيِكَ،أَلاَ قَبَّحَ اللَّهُ رَأْيَكَ،وَ إِنَّ جَبْرَئِيلَ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)قَدْ أَمَرَنِي أَنْ أَبْعَثَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)فِي هَؤُلاَءِ الْمُسْلِمِينَ،وَ أَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ يَفْتَحُ عَلَيْهِ وَ عَلَى أَصْحَابِهِ،فَدَعَا عَلِيّاً(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)وَ أَوْصَاهُ بِمَا أَوْصَى بِهِ أَبَا بَكْرٍ وَ عُمَرَ وَ أَصْحَابَهُ الْأَرْبَعَةَ آلاَفٍ،وَ أَخْبَرَهُ أَنَّ اللَّهَ سَيَفْتَحُ عَلَيْهِ وَ عَلَى أَصْحَابِهِ.
فَخَرَجَ عَلِيٌّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)وَ مَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَ الْأَنْصَارُ،فَسَارَ بِهِمْ سَيْراً غَيْرَ سَيْرِ أَبِي بَكْرٍ وَ عُمَرَ،وَ ذَلِكَ أَنَّهُ أَعْنَفَ بِهِمْ فِي السَّيْرِ حَتَّى خَافُوا أَنْ يَنْقَطِعُوا [1]مِنَ التَّعَبِ وَ تَحْفَى [2]دَوَابُّهُمْ،فَقَالَ لَهُمْ:لاَ تَخَافُوا،فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)قَدْ أَمَرَنِي بِأَمْرٍ،وَ أَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ سَيَفْتَحُ عَلَيَّ وَ عَلَيْكُمْ،فَأَبْشِرُوا فَإِنَّكُمْ عَلَى خَيْرٍ وَ إِلَى خَيْرٍ،فَطَابَتْ نُفُوسُهُمْ وَ قُلُوبُهُمْ،وَ سَارُوا عَلَى ذَلِكَ السَّيْرِ وَ التَّعَبِ،حَتَّى إِذَا كَانَ قَرِيباً مِنْهُمْ حَيْثُ يَرَوْنَهُ وَ يَرَاهُمْ،أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَنْزِلُوا،وَ سَمِعَ أَهْلُ وَادِي الْيَابِسِ بِمَقْدَمِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)وَ أَصْحَابِهِ،فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْهُمْ مِائَتَا رَجُلٍ شَاكِينَ فِي السِّلاَحِ،فَلَمَّا رَآهُمْ عَلِيٌّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)خَرَجَ إِلَيْهِمْ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ،فَقَالُوا لَهُمْ:مَنْ أَنْتُمْ؟وَ مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتُمْ؟ وَ أَيْنَ تُرِيدُونَ؟قَالَ:أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ،ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)وَ أَخُوهُ،وَ رَسُولُهُ إِلَيْكُمْ،أَدْعُوكُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ،وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ،وَ لَكُمْ[إِنْ آمَنْتُمْ]مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَ عَلَيْكُمْ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ خَيْرٍ وَ شَرٍّ.فَقَالُوا لَهُ:إِيَّاكَ أَرَدْنَا،وَ أَنْتَ طَلِبَتُنَا [3]،قَدْ سَمِعْنَا مَقَالَتَكَ وَ مَا عَرَضْتَ عَلَيْنَا،[هَذَا مَا لاَ يُوَافِقُنَا]،فَخُذْ حِذْرَكَ،وَ اسْتَعِدَّ لِلْحَرْبِ الْعَوَانِ [4]،وَ اعْلَمْ أَنَّا قَاتِلُوكَ وَ قَاتِلُوا أَصْحَابِكَ،وَ الْمَوْعُودُ فِيمَا بَيْنَنَا وَ بَيْنَكَ غَداً ضَحْوَةً،وَ قَدْ أَعْذَرْنَا فِيمَا بَيْنَنَا وَ بَيْنَكَ.
فَقَالَ[لَهُمْ]عَلِيٌّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ):وَيْلَكُمْ تُهَدِّدُونِّي بِكَثْرَتِكُمْ وَ جَمْعِكُمْ،فَأَنَا أَسْتَعِينُ بِاللَّهِ وَ مَلاَئِكَتِهِ وَ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْكُمْ،وَ لاَ حَوْلَ وَ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ؛فَانْصَرَفُوا إِلَى مَرَاكِزِهِمْ،وَ انْصَرَفَ عَلِيٌّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)إِلَى مَرْكَزِهِ،فَلَمَّا جَنَّ اللَّيْلُ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُحْسِنُوا إِلَى دَوَابِّهِمْ وَ يُقْضِمُوا [5]وَ يَحُسُّوا [6]وَ يُسْرِجُوا،فَلَمَّا انْشَقَّ عَمُودُ الصُّبْحِ صَلَّى بِالنَّاسِ بِغَلَسٍ،ثُمَّ أَغَارَ عَلَيْهِمْ بِأَصْحَابِهِ،فَلَمْ يَعْلَمُوا حَتَّى وَطِئَتْهُمْ الْخَيْلُ،فَمَا أَدْرَكَ آخِرُ أَصْحَابِهِ حَتَّى قَتَلَ
[1] في«ج»يتقلعوا.
[2] حفيَ من كثرة المشي أي رقّت قدمه أو حافره.«لسان العرب 14:187».
[3] الطّلية:أي المطلوب.
[4] و هي الحرب التي قوتل فيها مرّة بعد أخرى كأنهم جعلوا الأولى بكرا،و الحرب العوان هي أشدّ الحروب.«أقرب الموارد 2:850».
[5] أقضم القوم:امتاروا شيئا قليلا في القحط،و أقضم الدابّة:علفها القضيم،و هو نبت من الحمض.
[6] حسّ الدابّة:نفض التراب عنها بالمحسّة.