قَالَ:فَإِيَّاكَ أَنْ يَنْطِقَ لِسَانُكَ عِنْدَ مَسْأَلَتِي بِأَمْرٍ تُضْمِرُ لِي غَيْرَهُ،قَالَ:إِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ مَنْ فِي قَلْبِهِ عِلْمَانِ يُخَالِفُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ،وَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَبَى أَنْ يَكُونَ لَهُ عِلْمٌ فِيهِ اخْتِلاَفٌ.قَالَ:هَذِهِ مَسْأَلَتِي،وَ قَدْ فَسَّرْتَ طَرَفاً مِنْهَا،أَخْبِرْنِي عَنْ هَذَا الْعِلْمِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ اخْتِلاَفٌ مَنْ يَعْلَمُهُ؟ قَالَ:أَمَّا جُمْلَةُ الْعِلْمِ فَعِنْدَ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ،وَ أَمَّا مَا لاَ بُدَّ لِلْعِبَادِ مِنْهُ فَعِنْدَ الْأَوْصِيَاءِ،قَالَ:فَفَتَحَ الرَّجُلُ عَجِيرَتَهُ، وَ اسْتَوَى جَالِساً،وَ تَهَلَّلَ وَجْهُهُ،وَ قَالَ:هَذِهِ أَرَدْتُ،وَ لَهَا أَتَيْتُ،زَعَمْتُ أَنَّ عِلْمَ مَا لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ مِنَ الْعِلْمِ عِنْدَ الْأَوْصِيَاءِ،فَكَيْفَ يَعْلَمُونَهُ؟ قَالَ:كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)يَعْلَمُهُ،إِلاَّ أَنَّهُمْ لاَ يَرَوْنَ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)يَرَى،لِأَنَّهُ كَانَ نَبِيّاً،وَ هُمْ مُحَدَّثُونَ،وَ إِنَّهُ كَانَ يَفِدُ إِلَى اللَّهِ جَلَّ جَلاَلُهُ فَيَسْمَعُ الْوَحْيَ،وَ هُمْ لاَ يَسْمَعُونَ.فَقَالَ:صَدَقْتَ يَا بْنَ رَسُولِ اللَّهِ،سَآتِيكَ بِمَسْأَلَةٍ صَعْبَةٍ،أَخْبِرْنِي عَنْ هَذَا الْعِلْمِ مَا لَهُ لاَ يَظْهَرُ كَمَا كَانَ يَظْهَرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)؟ قَالَ:فَضَحِكَ أَبِي(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)،وَ قَالَ:أَبَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى عِلْمِهِ إِلاَّ مُمْتَحَناً لِلْإِيمَانِ بِهِ،كَمَا قَضَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)أَنْ يَصْبِرَ عَلَى أَذَى قَوْمِهِ،وَ لاَ يُجَاهِدُهُمْ إِلاَّ بِأَمْرِهِ،فَكَمْ مِنِ اكْتِتَامٍ قَدِ اكْتَتَمَ بِهِ،حَتَّى قِيلَ لَهُ: فَاصْدَعْ بِمٰا تُؤْمَرُ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ [1]،وَ أَيْمُ اللَّهِ أَنْ لَوْ صَدَعَ قَبْلَ ذَلِكَ لَكَانَ آمِناً،وَ لَكِنَّهُ إِنَّمَا نَظَرَ فِي الطَّاعَةِ وَ خَافَ الْخِلاَفَ،فَلِذَلِكَ كَفَّ،فَوَدِدْتُ أَنْ تَكُونَ عَيْنُكَ مَعَ مَهْدِيِّ هَذِهِ الْأُمَّةِ،وَ الْمَلاَئِكَةُ بِسُيُوفِ آلِ دَاوُدَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ،تُعَذِّبُ أَرْوَاحَ الْكَفَرَةِ مِنَ الْأَمْوَاتِ،وَ تُلْحِقُ بِهِمْ أَرْوَاحَ أَشْبَاهِهِمْ [2]مِنَ الْأَحْيَاءِ.
ثُمَّ أَخْرَجَ سَيْفاً،ثُمَّ قَالَ:هَا إِنَّ هَذَا مِنْهَا.قَالَ:فَقَالَ أَبِي:إِي وَ الَّذِي اصْطَفَى مُحَمَّداً عَلَى الْبَشَرِ،قَالَ:فَرَدَّ الرَّجُلُ اعْتِجَارَهُ وَ قَالَ:أَنَا إِلْيَاسُ،مَا سَأَلْتُكَ عَنْ أَمْرِكَ وَ بِي مِنْهُ جَهَالَةٌ،غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ قُوَّةً لِأَصْحَابِكَ،وَ سَأُخْبِرُكَ بِآيَةٍ أَنْتَ تَعْرِفُهَا إِنْ خَاصَمُوا بِهَا [3]فَلَجُّوا.
قَالَ:فَقَالَ لَهُ أَبِي:إِنْ شِئْتَ أَخْبَرْتُكَ بِهَا؟قَالَ:قَدْ شِئْتُ.قَالَ:إِنَّ شِيعَتَنَا إِنْ قَالُوا لِأَهْلِ الْخِلاَفِ لَنَا:إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ لِرَسُولِهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ): إِنّٰا أَنْزَلْنٰاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ إِلَى آخِرِهَا،فَهَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)يَعْلَمُ مِنَ الْعِلْمِ شَيْئاً لاَ يَعْلَمُهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ،أَوْ يَأْتِيهِ بِهِ جَبْرَئِيلُ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)فِي غَيْرِهَا؟فَإِنَّهُمْ سَيَقُولُونَ:لاَ،فَقُلْ لَهُمْ:فَهَلْ كَانَ لِمَا عَلِمَ بُدٌّ مِنْ أَنْ يُظْهِرَ؟فَيَقُولُونَ:لاَ،فَقُلْ لَهُمْ:فَهَلْ كَانَ فِيمَا أَظْهَرَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ اخْتِلاَفٌ؟فَإِنْ قَالُوا:لاَ،فَقُلْ لَهُمْ:فَمَنْ حَكَمَ بِحُكْمِ اللَّهِ فِيهِ اخْتِلاَفٌ،فَهَلْ خَالَفَ رَسُولَ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)؟فَيَقُولُونَ:نَعَمْ،فَإِنْ قَالُوا:لاَ،فَقَدْ نَقَضُوا أَوَّلَ كَلاَمِهِمْ.فَقُلْ لَهُمْ: مٰا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّٰهُ وَ الرّٰاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ [4]فَإِنْ قَالُوا:مَنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ؟فَقُلْ:مَنْ لاَ يَخْتَلِفُ فِي عِلْمِهِ.
[1] الحجر 15:94.
[2] في«ج»:أشياعهم.
[3] في«ج»:ن خاصموك فيها.
[4] آل عمران 3:7.