«هَلْ عَلِمْتُمْ مَا قَذَفْتُ بِهِ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ،وَ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهَا فِي وِلاَدَتِهَا إِبْرَاهِيمَ بْنَ رَسُولِ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)؟فَقَالُوا:يَا سَيِّدَنَا،أَنْتَ أَعْلَمُ،فَخَبِّرْنَا.فَقَالَ:«إِنَّ مَارِيَةَ أَهْدَاهَا الْمُقَوْقِسُ إِلَى جَدِّي رَسُولِ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)،فَحَظِيَ بِهَا مِنْ دُونِ أَصْحَابِهِ،وَ كَانَ مَعَهَا خَادِمٌ مَمْسُوحٌ،يُقَالُ لَهُ:جُرَيْحٌ،وَ حَسُنَ إِسْلاَمُهُمَا وَ إِيمَانُهُمَا،ثُمَّ مَلَكَتْ مَارِيَةُ قَلْبَ رَسُولِ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)،فَحَسَدَهَا بَعْضُ أَزْوَاجِهِ،فَأَقْبَلَتْ عَائِشَةُ وَ حَفْصَةُ تَشْكِيَانِ إِلَى أَبَوَيْهِمَا مَيْلَ رَسُولِ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)إِلَى مَارِيَةَ،وَ إِيثَارَهُ إِيَّاهَا عَلَيْهِمَا،حَتَّى سَوَّلَتْ لَهُمَا وَ لِأَبَوَيْهِمَا أَنْفُسُهُمَا بِأَنْ يَقْذِفُوا مَارِيَةَ بِأَنَّهَا حَمَلَتْ بِإِبْرَاهِيمَ مِنَ جُرَيْحٍ،وَ هُمْ لاَ يَظُنُّونَ أَنَّ جُرَيْحاً خَادِمٌ،فَأَقْبَلَ أَبَوَاهُمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)وَ هُوَ جَالِسٌ فِي مَسْجِدِهِ،فَجَلَسَا بَيْنَ يَدَيْهِ،ثُمَّ قَالاَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،مَا يَحِلُّ لَنَا،وَ لاَ يَسَعُنَا أَنْ نَكْتُمَ عَلَيْكَ مَا يَظْهَرُ مِنْ خِيَانَةٍ وَاقِعَةٍ بِكَ.قَالَ:مَاذَا تَقُولاَنِ؟!قَالاَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،إِنَّ جُرَيْحاً يَأْتِي مِنْ مَارِيَةَ بِالْفَاحِشَةِ الْعُظْمَى،وَ إِنَّ حَمْلَهَا مِنْ جُرَيْحٍ، وَ لَيْسَ هُوَ مِنْكَ.فَارْبَدَّ [1] وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)وَ تَلَوَّنَ،وَ عَرَضَتْ لَهُ سَهْوَةٌ [2] لِعِظَمِ مَا تَلَقَّيَاهُ بِهِ،ثُمَّ قَالَ:
وَيْحَكُمَا،مَا تَقُولاَنِ؟قَالاَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،إِنَّا خَلَّفْنَا جُرَيْحاً وَ مَارِيَةَ فِي مَشْرَبَتِهَا-يَعْنِيَانِ حُجْرَتَهَا-وَ هُوَ يُفَاكِهُهَا، وَ يُلاَعِبُهَا،وَ يَرُومُ مِنْهَا مَا يَرُومُ الرِّجَالُ مِنَ النِّسَاءِ،فَابْعَثْ إِلَى جُرَيْحٍ،فَإِنَّكَ تَجِدْهُ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ،فَأَنْفِذْ فِيهِ حُكْمَ اللَّهِ.فَانْثَنَى النَّبِيُّ إِلَى عَلِيٍّ(عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ)،ثُمَّ قَالَ:يَا أَبَا الْحَسَنِ،قُمْ-يَا أَخِي-وَ مَعَكَ ذُو الْفَقَارِ،حَتَّى تَمْضِيَ إِلَى مَشْرَبَةِ مَارِيَةَ،فَإِنْ صَادَفْتَهَا وَ جُرَيْحاً كَمَا يَصِفَانِ،فَأَخْمِدْهُمَا بِسَيْفِكَ ضَرْباً.
فَقَامَ عَلِيٌّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)،وَ اتَّشَحَ بِسَيْفِهِ [3] وَ أَخَذَهُ تَحْتَ ثِيَابِهِ،فَلَمَّا وَلَّى مِنْ بَيْنِ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)، انْثَنَى إِلَيْهِ،فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،أَكُونُ فِي مَا أَمَرْتَنِي كَالسِّكَّةِ الْمَحْمِيَّةِ فِي الْعِهْنِ [4]،أَوِ الشَّاهِدِ يَرَى مَا لاَ يَرَى الْغَائِبُ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ):فَدَيْتُكَ يَا عَلِيُّ،بَلِ الشَّاهِدِ يَرَى مَا لاَ يَرَى الْغَائِبُ.فَأَقْبَلَ عَلِيٌّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)،وَ سَيْفُهُ فِي يَدِهِ،حَتَّى تَسَوَّرَ مِنْ فَوْقِ مَشْرَبَةِ مَارِيَةَ،وَ هِيَ فِي جَوْفِ الْمَشْرَبَةِ جَالِسَةٌ،وَ جُرَيْحٌ مَعَهَا يُؤَدِّبُهَا بِآدَابِ الْمُلُوكِ، وَ يَقُولُ لَهَا:عَظِّمِي رَسُولَ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)،وَ لَبِّيهِ،وَ كَرِّمِيهِ،وَ نَحْوَ هَذَا الْكَلاَمَ،حَتَّى الْتَفَتَ جُرَيْحٌ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)،وَ سَيْفُهُ مَشْهُورٌ فِي يَدِهِ،فَفَزِعَ جُرَيْحٌ إِلَى نَخْلَةٍ فِي الْمَشْرَبَةِ،فَصَعِدَ إِلَى رَأْسِهَا،فَنَزَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)إِلَى الْمَشْرَبَةِ،وَ كَشَفَتِ الرِّيحُ عَنْ أَثْوَابِ جُرَيْحٍ،فَإِذَا هُوَ خَادِمٌ مَمْسُوحٌ،فَقَالَ لَهُ:اِنْزِلْ يَا جُرَيْحُ.
فَقَالَ:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،آمِناً عَلَى نَفْسِي؟فَقَالَ:آمِناً عَلَى نَفْسِكَ.
فَنَزَلَ جُرَيْحٌ،وَ أَخَذَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)بِيَدِهِ،وَ جَاءَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)،فَأَوْقَفَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،إِنَّ جُرَيْحاً خَادِمٌ مَمْسُوحٌ.فَوَلَّى رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)[وَجْهَهُ إِلَى الْجِدَارِ]،فَقَالَ:حُلَّ لَهُمَا نَفْسَكِ-لَعَنَهُمَا اللَّهُ-يَا جُرَيْحُ،حَتَّى يَتَبَيَّنَ كَذِبُهُمَا،وَ خِزْيُهُمَا،وَ جُرْأَتُهُمَا عَلَى اللَّهِ،وَ عَلَى رَسُولِهِ.فَكَشَفَ عَنْ أَثْوَابِهِ، فَإِذَا هُوَ خَادِمٌ مَمْسُوحٌ،فَأُسْقِطَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)وَ قَالاَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،التَّوْبَةَ،اسْتَغْفِرْ لَنَا.فَقَالَ رَسُولُ
[1] أي احمر حمرة فيها سواد عند الغضب.«المعجم الوسيط-زبد-1:322».
[2] في«ط»:شهوة.
[3] أي لبسه.
[4] العهن:الصوف.«لسان العرب-عهن-13:297».