الدُّرُّ وَ الْيَاقُوتُ،عَلَيْهِ الْغُبَارُ،فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)،فَمَسَحَ الْغُبَارَ عَنْ وَجْهِهِ،فَقَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ:رَحِمَكَ اللَّهُ، وَضَعْتَ السِّلاَحَ وَ لَمْ يَضَعْهُ أَهْلُ السَّمَاءِ؟وَ مَا زِلْتُ أَتَّبِعُهُمْ حَتَّى بَلَغْتُ الرَّوْحَاءَ.ثُمَّ قَالَ جَبْرَئِيلُ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ):اِنْهَضْ إِلَى إِخْوَانِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ،فَوَاللَّهِ لَأَدُقَّنَّهُمْ دَقَّ الْبَيْضَةِ عَلَى الصَّخْرَةِ.
فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)عَلِيّاً(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)،فَقَالَ:قَدِّمْ رَايَةَ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ،وَ قَالَ:عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُصَلُّوا الْعَصْرَ إِلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ.فَأَقْبَلَ عَلِيٌّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)،وَ مَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ،وَ بَنُو عَبْدِ الْأَشْهَلِ،وَ بَنُو النَّجَّارِ كُلُّهَا،لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ،وَ جَعَلَ النَّبِيُّ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)يُسَرِّبُ إِلَيْهِ الرِّجَالَ،فَمَا صَلَّى بَعْضُهُمُ الْعَصْرَ إِلاَّ بَعْدَ الْعِشَاءِ، فَأَشْرَفُوا عَلَيْهِ،وَ سَبُّوهُ،وَ قَالُوا:فَعَلَ اللَّهُ بِكَ،وَ بِابْنِ عَمِّكَ،وَ هُوَ وَاقِفٌ لاَ يُجِيبُهُمْ،فَلَمَّا أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)، وَ الْمُسْلِمُونَ حَوْلَهُ،تَلَقَّاهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)،وَ قَالَ:لاَ تَأْتِهِمْ-يَا رَسُولَ اللَّهِ،جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ-فَإِنَّ اللَّهَ سَيَجْزِيهِمْ.
فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)أَنَّهُمْ قَدْ شَتَمُوهُ،فَقَالَ:أَمَا إِنَّهُمْ لَوْ رَأَوْنِي مَا قَالُوا شَيْئاً مِمَّا سَمِعْتَ،وَ أَقْبَلَ،ثُمَّ قَالَ:يَا إِخْوَةَ الْقِرَدَةِ،إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ،يَا عِبَادَ الطَّوَاغِيتِ،اخْسَؤُوا،أَخْسَأَكُمُ اللَّهُ.فَصَاحُوا يَمِيناً وَ شِمَالاً:يَا أَبَا الْقَاسِمِ،مَا كُنْتَ فَحَّاشاً،فَمَا بَدَا لَكَ؟!».
قَالَ الصَّادِقُ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ):«فَسَقَطَتِ الْعَنَزَةُ [1] مِنْ يَدِهِ،وَ سَقَطَ رِدَاؤُهُ مِنْ خَلْفِهِ،وَ جَعَلَ يَمْشِي إِلَى وَرَاءِهِ،حَيَاءً مِمَّا قَالَ لَهُمْ.
فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)خَمْساً وَ عِشْرِينَ لَيْلَةً،حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ،فَحَكَمَ فِيهِمْ بِقَتْلِ الرِّجَالِ،وَ سَبْيِ الذَّرَارِيِّ وَ النِّسَاءِ،وَ قِسْمَةِ الْأَمْوَالِ،وَ أَنْ يُجْعَلَ عَقَارُهُمْ لِلْمُهَاجِرِينَ دُونَ الْأَنْصَارِ.فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ):لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ.
فَلَمَّا جِيءَ بِالْأُسَارَى،حُبِسُوا فِي دَارٍ،وَ أَمَرَ بِعَشَرَةِ،فَأُخْرِجُوا،فَضَرَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)أَعْنَاقَهُمْ،ثُمَّ أَمَرَ بِعَشَرَةٍ،فَأُخْرِجُوا،فَضَرَبَ الزُّبَيْرُ أَعْنَاقَهُمْ،وَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)إِلاَّ قَتْلَ الرَّجُلِ وَ الرَّجُلَيْنِ».قَالَ:«ثُمَّ انْفَجَرَتْ رَمْيَةُ سَعْدٍ،وَ الدَّمُ يَنْضِحُ حَتَّى قَضَى،وَ نَزَعَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)رِدَاءَهُ،فَمَشَى فِي جَنَازَتِهِ بِغَيْرِ رِدَاءٍ،وَ بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَتِيكٍ إِلَى خَيْبَرَ،فَقَتَلَ أَبَا رَافِعِ بْنَ أَبِي الْحُقَيْقِ».
قوله تعالى:
يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوٰاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيٰاةَ الدُّنْيٰا وَ زِينَتَهٰا فَتَعٰالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَ أُسَرِّحْكُنَّ سَرٰاحاً جَمِيلاً* وَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ الدّٰارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللّٰهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنٰاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً
[1] العنزة:عصا في قدر نصف الرّمح أو أكثر شيئا،فيها سنان مثل سنان الرمح.«لسان العرب-عنز-5:384».