اللَّيْلُ فَأَوَوْا إِلَى الْكَهْفِ،فَأَوْحَى اللَّهُ جَلَّ جَلاَلُهُ إِلَى مَلَكِ الْمَوْتِ:أَنْ يَقْبِضَ أَرْوَاحَهُمْ،وَ وَكَّلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَلَكَيْنِ يُقَلِّبَانِهِ ذَاتَ الْيَمِينِ إِلَى ذَاتِ الشِّمَالِ،وَ ذَاتَ الشِّمَالِ إِلَى ذَاتِ الْيَمِينِ،وَ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى خَازِنِ [1]الشَّمْسِ فَكَانَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ،وَ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ.
فَلَمَّا رَجَعَ دَقْيُوسُ مِنْ عِيدِهِ سَأَلَ عَنِ الْفِتْيَةِ،فَأُخْبِرَ أَنَّهُمْ ذَهَبُوا هَرَباً،فَرَكِبَ فِي ثَمَانِينَ أَلْفَ حِصَانٍ،فَلَمْ يَزَلْ يَقِفُوا أَثَرَهُمْ حَتَّى عَلاَ الْجَبَلَ،وَ انْحَطَّ إِلَى الْكَهْفِ،فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِمْ إِذَا هُمْ نِيَامٌ فَقَالَ الْمَلِكُ:لَوْ أَرَدْتُ أَنْ أُعَاقِبَهُمْ بِشَيْءٍ لَمَا عَاقَبْتُهُمْ بِأَكْثَرَ مِمَّا عَاقَبُوا بِهِ أَنْفُسَهُمْ،وَ لَكِنِ ائْتُونِي بِالْبَنَّائِينَ،وَ سَدَّ بَابَ الْكَهْفِ بِالْكِلْسِ وَ الْحِجَارَةِ،ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ:قُولُوا لَهُمْ يَقُولُونَ لِإِلَهِهِمُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ لِيُنْجِيَهُمْ مِمَّا بِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ،وَ أَنْ يُخْرِجَهُمْ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ».
ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ):«يَا أَخَا الْيَهُودِ،فَمَكَثُوا ثَلاَثَمِائَةٍ وَ تِسْعَ سِنِينَ،فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُحْيِيَهُمْ أَمَرَ إِسْرَافِيلَ الْمَلَكَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهِمُ الرُّوحَ-قَالَ-فَنَفَخَ فَقَامُوا مِنْ رَقْدَتِهِمْ،فَلَمَّا بَزَغَتِ الشَّمْسُ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ:قَدْ غَفَلْنَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ عَنْ عِبَادَةِ إِلَهِ السَّمَاوَاتِ فَقَامُوا فَإِذَا الْعَيْنُ قَدْ غَارَتْ وَ الْأَشْجَارُ قَدْ جَفَّتْ،فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ:إِنَّ فِي أَمْرِنَا لَعَجَباً،مِثْلُ تِلْكَ الْعَيْنِ الْغَزِيرَةِ قَدْ غَارَتْ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ،وَ مِثْلُ تِلْكَ الْأَشْجَارِ قَدْ جَفَّتْ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ!».
قَالَ:«وَ مَسَّهُمُ الْجُوعُ فَقَالُوا:اِبْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ،فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَ لْيَتَلَطَّفْ وَ لاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً:فَقَالَ تمليخا:لاَ يَذْهَبُ فِي حَوَائِجِكُمْ غَيْرِي،وَ لَكِنِ ادْفَعْ إِلَيَّ-أَيُّهَا الرَّاعِي- ثِيَابَكَ؛قَالَ:فَدَفَعَ الرَّاعِي إِلَيْهِ ثِيَابَهُ وَ مَضَى إِلَى الْمَدِينَةِ،فَجَعَلَ يَرَى مَوَاضِعَ لاَ يَعْرِفُهَا وَ طُرُقاً يُنْكِرُهَا،حَتَّى أَتَى بَابَ الْمَدِينَةِ،فَإِذَا عَلَيْهِ عَلَمٌ أَخْضَرُ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ بِالصُّفْرَةِ:لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ،عِيسَى رَسُولُ اللَّهِ وَ رُوحُهُ-قَالَ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)-فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى الْعَلَمِ وَ يَمْسَحُ عَيْنَيْهِ وَ يَقُولُ:كَأَنِّي نَائِمٌ؛ثُمَّ دَخَلَ الْمَدِينَةَ حَتَّى أَتَى السُّوقَ فَإِذَا رَجُلٌ خَبَّازٌ،فَقَالَ:أَيُّهَا الْخَبَّازُ مَا اسْمُ مَدِينَتِكُمْ هَذِهِ؟قَالَ:أَفْسُوسُ.قَالَ:وَ مَا اسْمُ مَلِكِكُمْ؟قَالَ:عَبْدُ الرَّحْمَنِ،قَالَ:يَا هَذَا حَرِّكْنِي كَأَنِّي نَائِمٌ فَقَالَ الْخَبَّازُ:أَ تَهْزَأُ بِي،تُكَلِّمُنِي وَ أَنْتَ نَائِمٌ؟!فَقَالَ تمليخا لِلْخَبَّازِ:فَادْفَعْ إِلَيَّ بِهَذَا الْوَرِقِ طَعَاماً.قَالَ:فَتَعَجَّبَ الْخَبَّازُ مِنْ نَقْشِ [2] الدِّرْهَمِ وَ مِنْ كِبَرِهِ».
قَالَ:فَوَثَبَ الْيَهُودِيُّ وَ قَالَ:يَا عَلِيُّ وَ مَا كَانَ وَزْنُ كُلِّ دِرْهَمٍ؟قَالَ عَلِيٌّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ):«يَا أَخَا الْيَهُودِ،كَانَ وَزْنُ كُلِّ دِرْهَمٍ مِنْهَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَ ثُلُثَيْ دِرْهَمٍ».
قَالَ:«فَقَالَ لَهُ الْخَبَّازُ:يَا هَذَا،إِنَّكَ أَصَبْتَ كَنْزاً؟فَقَالَ تمليخا:مَا هَذَا إِلاَّ ثَمَنُ تَمْرَةٍ بِعْتُهَا مُنْذُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ وَ خَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ الْمَدِينَةِ وَ تَرَكْتُ،النَّاسَ يَعْبُدُونَ دَقْيُوسَ الْمَلِكَ؛فَغَضِبَ الْخَبَّازُ وَ قَالَ:أَلاَّ تُعْطِينِي بَعْضَهَا وَ تَنْجُوَ، أَ تَذْكُرُ رَجُلاً خَمَّاراً كَانَ يَدَّعِي الرُّبُوبِيَّةَ قَدْ مَاتَ مُنْذُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِمِائَةِ سَنَةٍ؟».
قَالَ:فَثَبَتَ تمليخا حَتَّى أَدْخَلَهُ الْخَبَّازُ عَلَى الْمَلِكِ،فَقَالَ:مَا شَأْنُ هَذَا الْفَتَى؟فَقَالَ:اَلْخَبَّازُ:هَذَا رَجُلٌ أَصَابَ
[1] في المصدر:خزّان.
[2] في المصدر:ثقل.