فَقَالَ لَهُ رُوبِيلُ:اِرْجِعْ إِلَى رَبِّكَ رَجْعَةَ نَبِيٍّ حَكِيمٍ وَ رَسُولٍ كَرِيمٍ،وَ سَلْهُ أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُمُ الْعَذَابَ فَإِنَّهُ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِهِمْ،وَ هُوَ يُحِبُّ الرِّفْقَ بِعِبَادِهِ،وَ مَا ذَلِكَ بِأَضَرَّ لَكَ عِنْدَهُ وَ لاَ أَسْوَأَ لِمَنْزِلَتِكَ لَدَيْهِ،وَ لَعَلَّ قَوْمَكَ بَعْدَ مَا سَمِعْتَ وَ رَأَيْتَ مِنْ كُفْرِهِمْ وَ جُحُودِهِمْ يُؤْمِنُونَ يَوْماً،فَصَابِرْهُمْ وَ تَأَنَّهُمْ.
فَقَالَ لَهُ تَنُوخَا:وَيْحَكَ يَا رُوبِيلُ!مَا أَشَرْتَ عَلَى يُونُسَ وَ أَمَرْتَهُ بِهِ بَعْدَ كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ،وَ جَحْدِهِمْ لِنَبِيِّهِ، وَ تَكْذِيبِهِمْ إِيَّاهُ،وَ إِخْرَاجِهِمْ إِيَّاهُ مِنْ مَسَاكِنِهِ،وَ مَا هَمُّوا بِهِ مِنْ رَجْمِهِ! فَقَالَ رُوبِيلُ لِتَنُوخَا:اُسْكُتْ،فَإِنَّكَ رَجُلٌ عَابِدٌ،لاَ عِلْمَ لَكَ،ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى يُونُسَ،فَقَالَ:أَ رَأَيْتَ يَا يُونُسُ إِذَا أَنْزَلَ اللَّهُ الْعَذَابَ عَلَى قَوْمِكَ،أَ يُنْزِلُهُ فَيُهْلِكُهُمْ جَمِيعاً أَوْ يُهْلِكُ بَعْضاً وَ يُبْقِي بَعْضاً؟فَقَالَ لَهُ يُونُسُ:بَلْ يُهْلِكَهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً،وَ كَذَلِكَ سَأَلْتُهُ،مَا دَخَلَتْنِي لَهُمْ رَحْمَةُ تَعَطُّفٍ فَأُرَاجِعَ اللَّهَ فِيهَا وَ أَسْأَلَهُ أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُمْ.
فَقَالَ لَهُ رُوبِيلُ:أَ تَدْرِي-يَا يُونُسُ-لَعَلَّ اللَّهَ إِذَا أَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الْعَذَابَ فَأَحَسُّوا بِهِ أَنْ يَتُوبُوا إِلَيْهِ وَ يَسْتَغْفِرُوا فَيَرْحَمَهُمْ،فَإِنَّهُ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ،وَ يَكْشِفَ عَنْهُمُ الْعَذَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَخْبَرْتَهُمْ عَنِ اللَّهِ أَنَّهُ يُنْزِلُ عَلَيْهِمُ الْعَذَابَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ،فَتَكُونَ بِذَلِكَ عِنْدَهُمْ كَذَّاباً.
فَقَالَ لَهُ تَنُوخَا:وَيْحَكَ-يَا رُوبِيلُ-لَقَدْ قُلْتَ عَظِيماً،يُخْبِرُكَ النَّبِيُّ الْمُرْسَلُ أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيْهِ بِأَنَّ الْعَذَابَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ،فَتَرُدُّ قَوْلَ اللَّهِ وَ تَشُكُّ فِيهِ وَ فِي قَوْلِ رَسُولِهِ؟!اِذْهَبْ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُكَ.
فَقَالَ رُوبِيلُ لِتَنُوخَا:لَقَدْ فَشِلَ رَأْيُكَ،ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى يُونُسَ،فَقَالَ:إِذَا نَزَلَ الْوَحْيُ وَ الْأَمْرُ مِنَ اللَّهِ فِيهِمْ عَلَى مَا أَنْزَلَ عَلَيْكَ فِيهِمْ مِنْ إِنْزَالِ الْعَذَابِ عَلَيْهِمْ وَ قَوْلُهُ الْحَقُّ،أَ رَأَيْتَ إِذَا كَانَ ذَلِكَ فَهَلَكَ قَوْمُكَ كُلُّهُمْ وَ خَرِبَتْ قَرْيَتُهُمْ، أَ لَيْسَ يَمْحُو اللَّهُ اسْمَكَ مِنَ النُّبُوَّةِ،وَ تَبْطُلُ رِسَالَتُكَ،وَ تَكُونُ كَبَعْضِ ضُعَفَاءِ النَّاسِ،وَ يَهْلِكُ عَلَى يَدَيْكَ مِائَةُ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ مِنَ النَّاسِ؟ فَأَبَى يُونُسُ أَنْ يَقْبَلَ وَصِيَّتَهُ،فَانْطَلَقَ وَ مَعَهُ تَنُوخَا إِلَى قَوْمِهِ،فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيْهِ أَنَّهُ مُنْزِلُ الْعَذَابِ عَلَيْكُمْ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ فِي شَوَّالٍ فِي وَسَطِ الشَّهْرِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ.فَرَدُّوا عَلَيْهِ قَوْلَهُ،فَكَذَّبُوهُ وَ أَخْرَجُوهُ مِنْ قَرْيَتِهِمْ إِخْرَاجاً عَنِيفاً.فَخَرَجَ يُونُسُ وَ مَعَهُ تَنُوخَا مِنَ الْقَرْيَةِ،وَ تَنَحَّيَا عَنْهُمْ غَيْرَ بَعِيدٍ،وَ أَقَامَا يَنْتَظِرَانِ الْعَذَابَ.
وَ أَقَامَ رُوبِيلُ مَعَ قَوْمِهِ فِي قَرْيَتِهِمْ،حَتَّى إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِمْ شَوَّالٌ صَرَخَ رُوبِيلُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ فِي رَأْسِ الْجَبَلِ إِلَى الْقَوْمِ:أَنَا رُوبِيلُ،شَفِيقٌ عَلَيْكُمْ،رَحِيمٌ بِكُمْ،هَذَا شَوَّالٌ قَدْ دَخَلَ عَلَيْكُمْ،وَ قَدْ أَخْبَرَكُمْ يُونُسُ نَبِيُّكُمْ وَ رَسُولُ رَبِّكُمْ أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيْهِ أَنَّ الْعَذَابَ يَنْزِلُ عَلَيْكُمْ فِي شَوَّالٍ فِي وَسَطِ الشَّهْرِ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ،وَ لَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ رُسُلَهُ ،فَانْظُرُوا مَا أَنْتُمْ صَانِعُونَ؟فَأَفْزَعَهُمْ كَلاَمُهُ وَ وَقَعَ فِي قُلُوبِهِمْ تَحْقِيقُ نُزُولِ الْعَذَابِ،فَأَجْفَلُوا نَحْوَ رُوبِيلَ، وَ قَالُوا لَهُ:مَاذَا أَنْتَ مُشِيرٌ بِهِ عَلَيْنَا-يَا رُوبِيلُ-فَإِنَّكَ رَجُلٌ عَالِمٌ حَكِيمٌ،لَمْ نَزَلَ نَعْرِفُكَ بِالرَّأْفَةِ [1] عَلَيْنَا وَ الرَّحْمَةِ لَنَا، وَ قَدْ بَلَغَنَا مَا أَشَرْتَ بِهِ عَلَى يُونُسَ فِينَا،فَمُرْنَا بِأَمْرِكَ وَ أَشِرْ عَلَيْنَا بِرَأْيِكَ.
فَقَالَ لَهُمْ رُوبِيلُ:فَإِنِّي أَرَى لَكُمْ وَ أُشِيرُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْظُرُوا وَ تَعْمِدُوا إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ فِي وَسَطِ الشَّهْرِ
[1] في المصدر:بالرقة.