فَكَأَنَّهُ اسْتَحْيَا فَوَلَّى وَجْهَهُ عَنِّي،فَمَا زِلْتُ أُسَكِّنُ رَوْعَةَ فُؤَادِي،فَوَ اللَّهِ مَا خَرَجَ ذَلِكَ الرُّعْبُ مِنْ قَلْبِي حَتَّى السَّاعَةِ.
وَ لَمْ يَبْقَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)إِلاَّ أَبُو دُجَانَةَ الْأَنْصَارِيُّ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، وَ كُلَّمَا حَمَلَتْ طَائِفَةٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)اسْتَقْبَلَهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)فَيَدْفَعُهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)وَ يَقْتُلُهُمْ حَتَّى انْقَطَعَ سَيْفُهُ،وَ بَقِيَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ الْمَازِنِيَّةُ،وَ كَانَتْ تَخْرُجُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)فِي غَزَوَاتِهِ تُدَاوِي الْجَرْحَى،وَ كَانَ ابْنُهَا مَعَهَا فَأَرَادَ أَنْ يَنْهَزِمَ وَ يَتَرَاجَعَ،فَحَمَلَتْ عَلَيْهِ،فَقَالَتْ:يَا بُنَيَّ،إِلَى أَيْنَ تَفِرُّ عَنِ اللَّهِ وَ عَنْ رَسُولِهِ؟!فَرَدَّتْهُ،فَحَمَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَقَتَلَهُ،فَأَخَذَتْ سَيْفَ ابْنِهَا فَحَمَلَتْ عَلَى الرَّجُلِ فَضَرَبَتْهُ عَلَى فَخِذِهِ فَقَتَلَتْهُ،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ):«بَارَكَ اللَّهُ عَلَيْكِ يَا نُسَيْبَةُ»وَ كَانَتْ تَقِي رَسُولَ اللَّهِ بِصَدْرِهَا وَ ثَدْيَيْهَا وَ يَدَيْهَا حَتَّى أَصَابَتْهَا جِرَاحَاتٌ كَثِيرَةٌ.
وَ حَمَلَ ابْنُ قَمِيئَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)وَ قَالَ:أَرُونِي مُحَمَّداً لاَ نَجَوْتُ إِنْ نَجَا.فَضَرَبَهُ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ،وَ نَادَى:قَتَلْتُ مُحَمَّداً وَ اللاَّتِ وَ الْعُزَّى.وَ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ قَدْ أَلْقَى تُرْسَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ وَ هُوَ فِي الْهَزِيمَةِ،فَنَادَاهُ:«يَا صَاحِبَ التُّرْسِ،أَلْقِ تُرْسَكَ وَ سِرْ [1] إِلَى النَّارِ»فَرَمَى بِتُرْسِهِ،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ):«يَا نُسَيْبَةُ،خُذِي التُّرْسَ»فَأَخَذَتِ التُّرْسَ وَ كَانَتْ تُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ):
«لَمَقَامُ نُسَيْبَةَ أَفْضَلُ مِنْ مَقَامِ فُلاَنٍ وَ فُلاَنٍ وَ فُلاَنٍ».
فَلَمَّا انْقَطَعَ سَيْفُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)،فَقَالَ:«يَا رَسُولَ اللَّهِ،إِنَّ الرَّجُلَ يُقَاتِلُ بِالسِّلاَحِ،وَ قَدِ انْقَطَعَ سَيْفِي»فَدَفَعَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)سَيْفَهُ ذَا الْفَقَارِ،فَقَالَ:«قَاتِلْ بِهَذَا»وَ لَمْ يَكُنْ يَحْمِلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)أَحَدٌ إِلاَّ وَ يَسْتَقْبِلُهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)،فَإِذَا رَأَوْهُ رَجَعُوا،فَانْحَازَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)إِلَى نَاحِيَةِ أُحُدٍ فَوَقَفَ،وَ كَانَ الْقِتَالُ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ،وَ قَدِ انْهَزَمَ أَصْحَابُهُ،فَلَمْ يَزَلْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)يُقَاتِلُهُمْ حَتَّى أَصَابَتْهُ فِي وَجْهِهِ وَ رَأْسِهِ وَ صَدْرِهِ وَ بَطْنِهِ وَ يَدَيْهِ وَ رِجْلَيْهِ تِسْعُونَ جِرَاحَةً،فَتَحَامَوْهُ وَ سَمِعُوا مُنَادِياً يُنَادِي مِنَ السَّمَاءِ:
لاَ سَيْفَ إِلاَّ ذُو الْفَقَارِ وَ لاَ فَتَى إِلاَّ عَلِيٌّ فَنَزَلَ جَبْرَئِيلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)فَقَالَ:هَذِهِ وَ اللَّهِ الْمُوَاسَاةُ يَا مُحَمَّدُ.فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ):
«لِأَنِّي مِنْهُ وَ هُوَ مِنِّي»فَقَالَ جَبْرَئِيلُ:وَ أَنَا مِنْكُمَا.
وَ كَانَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ فِي وَسَطِ الْعَسْكَرِ،فَكُلَّمَا انْهَزَمَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ دَفَعَتْ إِلَيْهِ مِيلاً وَ مُكْحُلَةً،وَ قَالَتْ لَهُ:
إِنَّمَا أَنْتَ امْرَأَةٌ فَاكْتَحِلْ بِهَذَا.
وَ كَانَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَحْمِلُ عَلَى الْقَوْمِ فَإِذَا رَأَوْهُ انْهَزَمُوا،وَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ أَحَدٌ،وَ كَانَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ قَدْ أَعْطَتْ وَحْشِيّاً عَهْداً:لَئِنْ قَتَلْتَ مُحَمَّداً أَوْ عَلِيّاً أَوْ حَمْزَةَ لَأُعْطِيَنَّكَ رِضَاكَ.وَ كَانَ وَحْشِيٌّ عَبْداً لِجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، حَبَشِيّاً،فَقَالَ وَحْشِيٌّ:أَمَّا مُحَمَّدٌ فَلاَ أَقْدِرُ عَلَيْهِ،وَ أَمَّا عَلِيٌّ فَرَأَيْتُهُ رَجُلاً حَذِراً كَثِيرَ الاِلْتِفَاتِ،فَلَمْ أَطْمَعْ فِيهِ،فَكَمَنْتُ
[1] في المصدر:و مرّ.