فَقَالَ بُخْتُنَصَّرَ:لَأَقْتُلَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَبَداً حَتَّى يَسْكُنَ هَذَا الدَّمُ.وَ كَانَ ذَلِكَ الدَّمُ دَمَ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)،وَ كَانَ فِي زَمَانِهِ مَلِكٌ جَبَّارٌ يَزْنِي بِنِسَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ،وَ كَانَ يَمُرُّ بِيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا،فَقَالَ لَهُ يَحْيَى:اِتَّقِ اللَّهِ-أَيُّهَا الْمَلِكُ-لاَ يَحِلُّ لَكَ هَذَا.فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَةٌ مِنَ اللَّوَاتِي كَانَ يَزْنِي بِهِنَّ حِينَ سَكِرَ:أَيُّهَا الْمَلِكُ اقْتُلْ يَحْيَى.فَأَمَرَ أَنْ يُؤْتَى بِرَأْسِهِ،فَأُتِيَ [1] بِرَأْسِ يَحْيَى(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)فِي طَسْتٍ،وَ كَانَ الرَّأْسُ يُكَلِّمُهُ،وَ يَقُولُ لَهُ:يَا هَذَا،اتَّقِ اللَّهَ،لاَ يَحِلُّ لَكَ هَذَا.ثُمَّ غَلَى الدَّمُ فِي الطَّسْتِ حَتَّى فَاضَ إِلَى الْأَرْضِ،فَخَرَجَ يَغْلِي وَ لاَ يَسْكُنُ،وَ كَانَ بَيْنَ قَتْلِ يَحْيَى وَ بَيْنَ خُرُوجِ بُخْتَنَصَّرَ مِائَةُ سَنَةٍ.
وَ لَمْ يَزَلْ بُخْتُنَصَّرَ يَقْتُلُهُمْ،وَ كَانَ يَدْخُلُ قَرْيَةً قَرْيَةً،فَيَقْتُلُ الرِّجَالَ وَ النِّسَاءَ وَ الصِّبْيَانَ،وَ كُلَّ حَيَوَانٍ،وَ الدَّمُ يَغْلِي حَتَّى أَفْنَاهُمْ،فَقَالَ:بَقِيَ أَحَدٌ فِي هَذِهِ الْبِلاَدِ؟فَقَالُوا:عَجُوزٌ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَ كَذَا.فَبَعَثَ إِلَيْهَا فَضَرَبَ عُنُقَهَا عَلَى الدَّمِ فَسَكَنَ،وَ كَانَتْ آخِرُ مَنْ بَقِيَ.
ثُمَّ أَتَى بَابِلَ فَبَنَى بِهَا مَدِينَةً،وَ أَقَامَ وَ حَفَرَ بِئْراً،فَأَلْقَى فِيهَا دَانِيَالَ،وَ أَلْقَى مَعَهُ اللَّبْوَةَ،فَجَعَلَتِ اللَّبْوَةُ تَأْكُلُ [2]طِينَ الْبِئْرِ،وَ يَشْرَبُ دَانِيَالُ لَبَنَهَا،فَلَبِثَ بِذَلِكَ زَمَاناً.فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى النَّبِيِّ الَّذِي كَانَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ:أَنِ اذْهَبْ بِهَذَا الطَّعَامِ وَ الشَّرَابِ إِلَى دَانِيَالَ،وَ أَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلاَمَ.قَالَ:وَ أَيْنَ دَانِيَالُ،يَا رَبِّ؟قَالَ:فِي بِئْرٍ بِبَابِلَ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَ كَذَا.
فَأَتَاهُ فَاطَّلَعَ فِي الْبِئْرِ،فَقَالَ:يَا دَانِيَالُ؟فَقَالَ:لَبَّيْكَ،صَوْتٌ غَرِيبٌ [3].قَالَ:إِنَّ رَبَّكَ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ،وَ قَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ بِالطَّعَامِ وَ الشَّرَابِ.فَدَلاَّهُ إِلَيْهِ-قَالَ-فَقَالَ دَانِيَالُ:اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لاَ يَنْسَى مَنْ ذَكَرَهُ،الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لاَ يُخَيِّبُ مَنْ دَعَاهُ،الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفَاهُ،الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَنْ وَثِقَ بِهِ لَمْ يَكِلْهُ إِلَى غَيْرِهِ،الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يَجْزِي بِالْإِحْسَانِ إِحْسَاناً،الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يَجْزِي بِالصَّبْرِ نَجَاةً،الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يَكْشِفُ ضُرَّنَا عِنْدَ كُرْبَتِنَا،الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هُوَ ثِقَتُنَا حِينَ تَنْقَطِعُ الْحِيَلُ مِنَّا،الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هُوَ رَجَاؤُنَا حِينَ سَاءَ ظَنُّنَا بِأَعْمَالِنَا».
قَالَ:«فَرَأَى بُخْتُنَصَّرَ فِي مَنَامِهِ [4] كَأَنَّ رَأْسَهُ مِنْ حَدِيدٍ،وَ رِجْلَيْهِ مِنْ نُحَاسٍ،وَ صَدْرَهُ مِنْ ذَهَبٍ-قَالَ-:
فَدَعَا الْمُنَجِّمِينَ،فَقَالَ لَهُمْ:مَا رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ؟قَالُوا:مَا نَدْرِي،وَ لَكِنْ قُصَّ عَلَيْنَا مَا رَأَيْتَ.فَقَالَ:أَنَا أُجْرِي عَلَيْكُمْ الْأَرْزَاقَ مُنْذُ كَذَا وَ كَذَا،وَ لاَ تَدْرُونَ مَا رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ؟!وَ أَمَرَ بِهِمْ فَقُتِلُوا».
قَالَ:«فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ:إِنْ كَانَ عِنْدَ أَحَدٍ شَيْءٌ فَعِنْدَ صَاحِبِ الْجُبِّ،فَإِنَّ اللَّبْوَةَ لَمْ تَتَعَرَّضْ لَهُ، وَ هِيَ تَأْكُلُ الطِّينَ وَ تُرْضِعُهُ،فَبَعَثَ إِلَى دَانِيَالَ،فَقَالَ:مَا رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ؟قَالَ:رَأَيْتَ كَأَنَّ رَأْسَكَ مِنْ حَدِيدٍ،وَ رِجْلَيْكَ مِنْ نُحَاسٍ،وَ صَدْرَكَ مِنْ ذَهَبٍ.
فَقَالَ:هَكَذَا رَأَيْتُ،فَمَا ذَاكَ؟قَالَ:قَدْ ذَهَبَ مُلْكُكَ،وَ أَنْتَ مَقْتُولٌ إِلَى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ،يَقْتُلُكَ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ فَارِسَ».
[1] في المصدر:فأتوا.
[2] في المصدر زيادة:من.
[3] في«ط»نسخة بدل:بصوت غريب.
[4] في المصدر:نومه.