اِصْطَفىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلاٰ تَمُوتُنَّ إِلاّٰ وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [1] ،وَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ لِنَبِيِّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ): ثُمَّ أَوْحَيْنٰا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرٰاهِيمَ حَنِيفاً وَ مٰا كٰانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [2]،وَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرٰاهِيمَ هُوَ سَمّٰاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ [3].
وَ أَشْرَاطُ كَلِمَاتِ الْإِمَامِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ جِهَتِهِ مِمَّا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْأُمَّةُ مِنْ مَصَالِحِ [4] الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ.
وَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ): وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي مِنْ:حَرْفُ تَبْعِيضٍ،لِيُعْلَمَ أَنَّ مِنَ الذُّرِّيَّةِ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْإِمَامَةَ،وَ مِنْهُمْ مَنْ لاَ يَسْتَحِقُّهَا،هَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْلِمِينَ،وَ ذَلِكَ أَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَدْعُوَ إِبْرَاهِيمُ بِالْإِمَامَةِ لِلْكَافِرِ أَوْ لِلْمُسْلِمِ الَّذِي لَيْسَ بِمَعْصُومٍ،فَصَحَّ أَنَّ بَابَ التَّبْعِيضِ وَقَعَ عَلَى خَوَاصِّ الْمُؤْمِنِينَ،وَ الْخَوَاصُّ إِنَّمَا صَارُوا خَوَاصّاً بِالْبُعْدِ عَنِ الْكُفْرِ،ثُمَّ مَنِ اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ صَارَ مِنْ جُمْلَةِ الْخَوَاصِّ.أَخَصَّ،ثُمَّ الْمَعْصُومُ هُوَ الْخَاصُّ الْأَخَصُّ،وَ لَوْ كَانَ لِلتَّخْصِيصِ صُورَةٌ أَرْبَى عَلَيْهِ [5]،لَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ أَوْصَافِ الْإِمَامِ.
وَ قَدْ سَمَّى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عِيسَى مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ،وَ كَانَ ابْنَ بِنْتِهِ مِنْ بَعْدِهِ،وَ لَمَّا صَحَّ أَنَّ ابْنَ الْبِنْتِ ذُرِّيَّةٌ،وَ دَعَا إِبْرَاهِيمُ لِذُرِّيَّتِهِ بِالْإِمَامَةِ،وَجَبَ عَلَى مُحَمَّدٍ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)الاِقْتِدَاءُ بِهِ فِي وَضْعِ الْإِمَامَةِ فِي الْمَعْصُومِينَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ بَعْدَ مَا أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَيْهِ،وَ حَكَمَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ أَوْحَيْنٰا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرٰاهِيمَ حَنِيفاً [6]الْآيَةَ،وَ لَوْ خَالَفَ ذَلِكَ لَكَانَ دَاخِلاً فِي قَوْلِهِ: وَ مَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرٰاهِيمَ إِلاّٰ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ جَلَّ نَبِيُّ اللَّهِ عَنْ ذَلِكَ.
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: إِنَّ أَوْلَى النّٰاسِ بِإِبْرٰاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هٰذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا [7]وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)أَبُو ذُرِّيَّةِ النَّبِيِّ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)،وَ وَضَعَ الْإِمَامَةَ فِيهِ وَضَعَهَا فِي ذُرِّيَّتِهِ الْمَعْصُومِينَ بَعْدَهُ.
وَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ: لاٰ يَنٰالُ عَهْدِي الظّٰالِمِينَ يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ الْإِمَامَةَ لاَ تَصْلُحُ لِمَنْ قَدْ عَبَدَ وَثَناً أَوْ صَنَماً،أَوْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ،وَ إِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ،وَ الظُّلْمُ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ،وَ أَعْظَمُ الظُّلْمِ الشِّرْكُ،قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [8]وَ كَذَلِكَ لاَ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ مَنْ [9] قَدِ ارْتَكَبَ مِنَ الْمَحَارِمِ شَيْئاً صَغِيراً كَانَ أَوْ كَبِيراً،وَ إِنْ تَابَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ،وَ كَذَلِكَ لاَ يُقِيمُ الْحَدَّ مَنْ فِي جَنْبِهِ حَدٌّ،فَإِذَنْ لاَ يَكُونُ الْإِمَامُ إِلاَّ مَعْصُوماً،وَ لاَ تُعْلَمُ عِصْمَتُهُ إِلاَّ بِنَصِّ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَيْهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)،لِأَنَّ الْعِصْمَةَ لَيْسَتْ فِي ظَاهِرِ الْخِلْقَةِ فَتُرَى
[1] البقرة 2:132.
[2] النّحل 16:123.
[3] الحجّ 22:78.
[4] في المصدر:مأخوذة ممّا تحتاج إليه الأمّة من جهة من مصالح.
[5] أي أعلى و أرفع مرتبة.
[6] النّحل 16:123.
[7] آل عمران 3:68.
[8] لقمان 31:13.
[9] في المصدر:لا تصلح الإمامة لمن.