الْيَهُودِ الَّذِينَ نَافَقُوا رَسُولَ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ [1]،فَإِنَّهُمْ قَالُوا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ:إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لَنَا هَذَا، وَ أَمَرَنَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ لَكُمْ وَ نَهَانَا،وَ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِأَنَّكُمْ إِنْ صَعُبَ عَلَيْكُمْ مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَلاَ عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوهُ،وَ إِنْ صَعُبَ عَلَيْكُمْ مَا عَنْهُ نَهَيْتُكُمْ فَلاَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَرْتَكِبُوهُ وَ تُوَاقِعُوهُ،وَ هُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ بِقَوْلِهِمْ هَذَا كَاذِبُونَ.
ثُمَّ أَظْهَرَ اللَّهُ عَلَى نِفَاقِهِمُ الْآخَرِ مَعَ جَهْلِهِمْ،فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: وَ إِذٰا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قٰالُوا آمَنّٰا كَانُوا إِذَا لَقُوا سَلْمَانَ وَ الْمِقْدَادَ وَ أَبَا ذَرٍّ وَ عَمَّاراً،قَالُوا:آمَنَّا كَإِيمَانِكُمْ،آمَنَّا [2]بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)مَقْرُونَةً [3]بِالْإِيمَانِ بِإِمَامَةِ أَخِيهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ،وَ بِأَنَّهُ أَخُوهُ الْهَادِي،وَ وَزِيرُهُ الْمُوَالِي،وَ خَلِيفَتُهُ عَلَى أُمَّتِهِ،وَ مُنْجِزُ عِدَتِهِ،وَ الْوَافِي بِذِمَّتِهِ،وَ النَّاهِضُ بِأَعْبَاءِ سِيَاسَتِهِ،وَ قَيِّمُ الْخَلْقِ،الذَّائِدُ لَهُمْ عَنْ سَخَطِ الرَّحْمَنِ،الْمُوجِبُ لَهُمْ-إِنْ أَطَاعُوهُ-رِضَا الرَّحْمَنِ،وَ أَنَّ خُلَفَاءَهُ مِنْ بَعْدِهِ هُمُ النُّجُومُ الزَّاهِرَةُ،وَ الْأَقْمَارُ الْمُنِيرَةُ،وَ الشَّمْسُ الْمُضِيئَةُ الْبَاهِرَةُ،وَ أَنَّ أَوْلِيَاءَهُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ،وَ أَنَّ أَعْدَاءَهُمْ أَعْدَاءُ اللَّهِ.
وَ يَقُولُ بَعْضُهُمْ:نَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)صَاحِبُ الْمُعْجِزَاتِ،وَ مُقِيمُ الدَّلاَلاَتِ الْوَاضِحَاتِ،هُوَ الَّذِي لَمَّا تَوَاطَأَتْ قُرَيْشٌ عَلَى قَتْلِهِ،وَ طَلَبُوهُ فَقْداً لِرُوحِهِ،يَبَّسَ اللَّهُ أَيْدِيَهُمْ فَلَمْ تَعْمَلْ،وَ أَرْجُلَهُمْ فَلَنْ تَنْهَضْ،حَتَّى رَجَعُوا عَنْهُ خَائِبِينَ [4] مَغْلُوبِينَ،وَ لَوْ شَاءَ مُحَمَّدٌ وَحْدَهُ قَتَلَهُمْ أَجْمَعِينَ،وَ هُوَ الَّذِي لَمَّا جَاءَتْهُ قُرَيْشٌ،وَ أَشْخَصَتْهُ إِلَى هُبَلَ لِيَحْكُمَ عَلَيْهِ بِصِدْقِهِمْ وَ كِذْبِهِ خَرَّ هُبَلُ لِوَجْهِهِ،وَ شَهِدَ لَهُ بِنُبُوَّتِهِ،وَ لِعَلِيٍّ أَخِيهِ بِإِمَامَتِهِ،وَ لِأَوْلِيَائِهِ مِنْ بَعْدِهِ بِوِرَاثَتِهِ، وَ الْقِيَامِ بِسِيَاسَتِهِ وَ إِمَامَتِهِ.وَ هُوَ الَّذِي لَمَّا أَلْجَأَتْهُ قُرَيْشٌ إِلَى الشِّعْبِ [5]،وَ وَكَّلُوا بِبَابِهِ مَنْ يَمْنَعُ مِنْ إِيصَالِ قُوتٍ،وَ مِنْ خُرُوجِ أَحَدٍ عَنْهُ،خَوْفاً أَنْ يَطْلُبَ لَهُمْ قُوتاً،غَذَا هُنَاكَ كَافِرُهُمْ وَ مُؤْمِنُهُمْ أَفْضَلَ مِنَ الْمَنِّ وَ السَّلْوَى،وَ كُلَّ مَا اشْتَهَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَطْعِمَاتِ الطَّيِّبَاتِ،وَ مِنْ أَصْنَافِ الْحَلاَوَاتِ،وَ كَسَاهُمْ أَحْسَنَ الْكِسْوَاتِ.
وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ إِذْ يَرَاهُمْ [6] وَ قَدْ ضَاقَتْ لِضِيقِ فَجِّهِمْ [7] صُدُورُهُمْ،قَالَ بِيَدِهِ [8]هَكَذَا بِيُمْنَاهُ إِلَى الْجِبَالِ،وَ هَكَذَا بِيُسْرَاهُ إِلَى الْجِبَالِ،وَ قَالَ لَهَا:اِنْدَفِعِي؛فَتَنْدَفِعُ وَ تَتَأَخَّرُ حَتَّى يَصِيرُوا بِذَلِكَ فِي صَحْرَاءَ لاَ تُرَى أَطْرَافُهَا،ثُمَّ يَقُولُ بِيَدِهِ هَكَذَا،وَ يَقُولُ:أَطْلِعِي-يَا أَيَّتُهَا الْمُودَعَاتُ لِمُحَمَّدٍ وَ أَنْصَارِهِ-مَا أَوْدَعَكِهَا [9]اللَّهُ مِنَ الْأَشْجَارِ وَ الْأَثْمَارِ وَ الْأَنْهَارِ وَ أَنْوَاعِ الزُّهَرِ وَ النَّبَاتِ،فَتُطْلِعُ [10] الْأَشْجَارُ الْبَاسِقَةُ،وَ الرَّيَاحِينُ الْمُونِقَةُ
[1] في المصدر:القضية.
[2] في«ط»:إيمانا.
[3] في«ط»:مقرونا.
[4] في«ط»نسخة بدل:خاسئين.
[5] الشعب:الطريق في الجبل،أو ما انفرج بين جبلين،و المقصود هنا شعب أبي يوسف بمكّة.
[6] في المصدر:إذ رآهم.
[7] الفجّ:الطريق الواسع بين الجبلين.«الصحاح-فجج-1:333».
[8] قال بيده:أشار بها.و في«ط»نسخة بدل:شال.
[9] في المصدر: أودعكموها.
[10] في المصدر زيادة من.