فَقَالَ مُوسَى(عَلَيْهِ السَّلاَمُ):يَا أَيُّهَا الْعِجْلُ،أَ كَانَ فِيكَ رَبُّنَا كَمَا يَزْعُمُ هَؤُلاَءِ؟فَنَطَقَ الْعِجْلُ،وَ قَالَ:عَزَّ رَبُّنَا عَنْ أَنْ يَكُونَ الْعِجْلُ حَاوِياً لَهُ،أَوْ شَيْءٌ مِنَ الشَّجَرِ وَ الْأَمْكِنَةِ عَلَيْهِ مُشْتَمِلاً،وَ لاَ لَهُ حَاوِياً،لاَ-وَ اللَّهِ،يَا مُوسَى-وَ لَكِنَّ السَّامِرِيَّ نَصَبَ عِجْلاً مُؤَخَّرُهُ إِلَى الْحَائِطِ،وَ حَفَرَ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ فِي الْأَرْضِ،وَ أَجْلَسَ فِيهِ بَعْضَ مَرَدَتِهِ،فَهُوَ الَّذِي وَضَعَ فَاهُ عَلَى دُبُرِهِ،وَ تَكَلَّمَ لَمَّا قَالَ: هٰذٰا إِلٰهُكُمْ وَ إِلٰهُ مُوسىٰ [1]يَا مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ،مَا خُذِلَ هَؤُلاَءِ بِعِبَادَتِي وَ اتِّخَاذِي إِلَهاً إِلاَّ بِتَهَاوُنِهِمْ بِالصَّلاَةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّيِّبِينَ،وَ جُحُودِهِمْ بِمُوَالاَتِهِمْ،وَ نُبُوَّةِ النَّبِيِّ وَ وَصِيِّةِ الْوَصِيِّ حَتَّى أَدَّاهُمْ إِلَى أَنِ اتَّخَذُونِي إِلَهاً.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:فَإِذَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا خَذَلَ عَبَدَةَ الْعِجْلِ لِتَهَاوُنِهِمْ بِالصَّلاَةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ وَصِيِّهِ عَلِيٍّ،فَمَا تَخَافُونَ مِنَ الْخِذْلاَنِ الْأَكْبَرِ فِي مُعَانَدَتِكُمْ لِمُحَمَّدٍ وَ عَلِيٍّ وَ قَدْ شَاهَدْتُمُوهُمَا،وَ تَبَيَّنْتُمْ آيَاتِهِمَا وَ دَلاَئِلَهُمَا؟ ثُمَّ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: ثُمَّ عَفَوْنٰا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذٰلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أَيْ عَفَوْنَا عَنْ أَوَائِلِكُمْ عِبَادَتَهُمُ الْعِجْلَ، لَعَلَّكُمْ-يَا أَيُّهَا الْكَائِنُونَ فِي عَصْرِ مُحَمَّدٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ-تَشْكُرُونَ تِلْكَ النِّعْمَةَ عَلَى أَسْلاَفِكُمْ وَ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُمْ».
ثُمَّ قَالَ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ):«وَ إِنَّمَا عَفَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَنْهُمْ لِأَنَّهُمْ دَعَوُا اللَّهَ بِمُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّيِّبِينَ،وَ جَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ الْوَلاَيَةَ لِمُحَمَّدٍ وَ عَلِيٍّ وَ آلِهِمَا الطَّاهِرِينَ،فَعِنْدَ ذَلِكَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَ عَفَا عَنْهُمْ».
ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَ جَلَّ: وَ إِذْ آتَيْنٰا مُوسَى الْكِتٰابَ وَ الْفُرْقٰانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ قَالَ:«وَ اذْكُرُوا إِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ -وَ هُوَ التَّوْرَاةُ-اَلَّذِي أُخِذَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ الْإِيمَانُ بِهِ،وَ الاِنْقِيَادُ لِمَا يُوجِبُهُ،وَ الْفُرْقَانَ آتَيْنَاهُ أَيْضاً،فُرِّقَ بِهِ مَا بَيْنَ الْحَقِّ وَ الْبَاطِلِ،وَ فُرِّقَ مَا بَيْنَ الْمُحِقِّينَ وَ الْمُبْطِلِينَ.
وَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا أَكْرَمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْكِتَابِ وَ الْإِيمَانِ بِهِ،وَ الاِنْقِيَادِ لَهُ،أَوْحَى اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى مُوسَى(عَلَيْهِ السَّلاَمُ):
هَذَا الْكِتَابُ قَدْ أَقَرُّوا بِهِ،وَ قَدْ بَقِيَ الْفُرْقَانُ،فَرَّقَ مَا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْكَافِرِينَ،وَ الْمُحِقِّينَ وَ الْمُبْطِلِينَ،فَجَدَّدَ عَلَيْهِمُ الْعَهْدَ بِهِ،فَإِنِّي قَدْ آلَيْتُ عَلَى نَفْسِي قَسَماً حَقّاً لاَ أَتَقَبَّلُ مِنْ أَحَدٍ إِيمَاناً وَ لاَ عَمَلاً إِلاَّ مَعَ الْإِيمَانِ بِهِ.
قَالَ مُوسَى(عَلَيْهِ السَّلاَمُ):مَا هُوَ يَا رَبِّ؟ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ:يَا مُوسَى،تَأْخُذُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّ مُحَمَّداً خَيْرُ النَّبِيِّينَ [2] وَ سَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ،وَ أَنَّ أَخَاهُ وَ وَصِيَّهُ عَلِيٌّ خَيْرُ الْوَصِيِّينَ،وَ أَنَّ أَوْلِيَاءَهُ الَّذِينَ يُقِيمُهُمْ سَادَةُ الْخَلْقِ،وَ أَنَّ شِيعَتَهُ الْمُنْقَادِينَ لَهُ،الْمُسَلِّمِينَ لَهُ وَ لِأَوَامِرِهِ وَ نَوَاهِيهِ وَ لِخُلَفَائِهِ،نُجُومُ الْفِرْدَوْسِ الْأَعْلَى،وَ مُلُوكُ جَنَّاتِ عَدْنٍ».
قَالَ:«وَ أَخَذَ عَلَيْهِمْ مُوسَى(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)ذَلِكَ،فَمِنْهُمْ مَنِ اعْتَقَدَهُ حَقّاً،وَ مِنْهُمْ مَنْ أَعْطَاهُ بِلِسَانِهِ دُونَ قَلْبِهِ،فَكَانَ الْمُعْتَقِدُ مِنْهُمْ حَقّاً يَلُوحُ عَلَى جَبِينِهِ نُورٌ مُبِينٌ،وَ مَنْ أَعْطَاهُ بِلِسَانِهِ دُونَ قَلْبِهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ النُّورُ،فَذَلِكَ الْفُرْقَانُ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مُوسَى(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)،وَ هُوَ فَرْقُ مَا بَيْنَ الْمُحِقِّينَ وَ الْمُبْطِلِينَ.
ثُمَّ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ أَيْ لَعَلَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي بِهِ يُشَرَّفُ الْعَبْدُ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ هُوَ
[1] طه 20:88.
[2] في المصدر:خير البشر.