الْمَحَجَّاتِ [1]،سَلَّمَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ مِنْ قُصُورِ الْجَنَّةِ أَيْضاً مَا لاَ يَعْلَمُ قَدْرَهَا هُوَ،وَ لاَ يَقْدِرُ [2] قَدْرَهَا إِلاَّ خَالِقُهَا أَوْ وَاهِبُهَا.
أَلاَ وَ مَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَ الْجِدَالَ وَ اقْتَصَرَ عَلَى التَّسْلِيمِ لَنَا،وَ تَرَكَ الْأَذَى،حَبَسَهُ اللَّهُ عَلَى الصِّرَاطِ،فَإِذَا حَبَسَهُ اللَّهُ عَلَى الصِّرَاطِ،فَجَاءَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ تُجَادِلُهُ عَلَى أَعْمَالِهِ،وَ تُوَاقِفُهُ عَلَى ذُنُوبِهِ،فَإِذَا النِّدَاءُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ:يَا مَلاَئِكَتِي،عَبْدِي هَذَا لَمْ يُجَادِلْ،وَ سَلَّمَ الْأَمْرَ لِأَئِمَّتِهِ،فَلاَ تُجَادِلُوهُ،وَ سَلِّمُوهُ فِي جِنَانِي إِلَى أَئِمَّتِهِ يَكُونُ مُنِيخاً [3]فِيهَا بِقُرْبِهِمْ،كَمَا كَانَ مُسَلِّماً فِي الدُّنْيَا لَهُمْ.
وَ أَمَّا مَنْ عَارَضَ بِ(لِمَ وَ كَيْفَ)وَ نَقَضَ الْجُمْلَةَ بِالتَّفْصِيلِ،قَالَتْ لَهُ الْمَلاَئِكَةُ عَلَى الصِّرَاطِ:وَاقِفْنَا-يَا عَبْدَ اللَّهِ- وَ جَادِلْنَا عَلَى أَعْمَالِكَ،كَمَا جَادَلْتَ أَنْتَ فِي الدُّنْيَا الْحَاكِينَ لَكَ عَنْ أَئِمَّتِكَ.
فَيَأْتِيهِمُ النِّدَاءُ:صَدَقْتُمْ،بِمَا عَامَلَ فَعَامِلُوهُ،أَلاَ فَوَاقِفُوهُ،فَيُوَاقَفُ وَ يَطُولُ حِسَابُهُ،وَ يَشْتَدُّ فِي ذَلِكَ الْحِسَابِ عَذَابُهُ،فَمَا أَعْظَمَ هُنَاكَ نَدَامَتَهُ،وَ أَشَدَّ حَسَرَاتِهِ،لاَ يُنْجِيهِ هُنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةُ اللَّهِ-إِنْ لَمْ يَكُنْ فَارَقَ فِي الدُّنْيَا جُمْلَةَ دِينِهِ- وَ إِلاَّ فَهُوَ فِي النَّارِ أَبَدَ الْآبِدِينَ.
قَالَ الْبَاقِرُ(عَلَيْهِ السَّلاَمَ):وَ يُقَالُ لِلْمُوفِي بِعُهُودِهِ فِي الدُّنْيَا،فِي نُذُورِهِ وَ أَيْمَانِهِ وَ مَوَاعِيدِهِ:يَا أَيُّهَا الْمَلاَئِكَةُ،وَفَى هَذَا الْعَبْدُ فِي الدُّنْيَا بِعُهُودِهِ،فَأَوْفُوا لَهُ هَاهُنَا بِمَا وَعَدْنَاهُ،وَ سَامِحُوهُ،وَ لاَ تُنَاقِشُوهُ،فَحِينَئِذٍ تُصَيِّرُهُ الْمَلاَئِكَةُ إِلَى الْجِنَانِ.
وَ أَمَّا مَنْ قَطَعَ رَحِمَهُ،فَإِنْ كَانَ وَصَلَ رَحِمَ مُحَمَّدٍ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)وَ قَدْ قَطَعَ رَحِمَهُ،شَفَعَ أَرْحَامَ مُحَمَّدٍ إِلَى رَحِمِهِ،وَ قَالُوا:لَكَ مِنْ حَسَنَاتِنَا وَ طَاعَتِنَا مَا شِئْتَ،فَاعْفُ عَنْهُ؛فَيُعْطُونَهُ مِنْهَا مَا يَشَاءُ،فَيَعْفُو عَنْهُ،وَ يُعْطِي اللَّهُ الْمُعْطِينَ مَا يَنْفَعُهُمْ[وَ لاَ يَنْقُصُهُمْ].
وَ إِنْ كَانَ وَصَلَ أَرْحَامَ نَفْسِهِ،وَ قَطَعَ أَرْحَامَ مُحَمَّدٍ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)بِأَنْ جَحَدَ حَقَّهُمْ،وَ دَفَعَهُمْ عَنْ وَاجِبِهِمْ، وَ سَمَّى غَيْرَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ،وَ لَقَّبَهُمْ بِأَلْقَابِهِمْ،وَ نَبَزَ بِأَلْقَابٍ قَبِيحَةٍ مُخَالِفِيهِ مِنْ أَهْلِ وَلاَيَتِهِمْ،قِيلَ لَهُ:يَا عَبْدَ اللَّهِ، اكْتَسَبْتَ عَدَاوَةَ آلِ مُحَمَّدٍ الطُّهْرِ أَئِمَّتِكَ لِصَدَاقَةِ هَؤُلاَءِ!فَاسْتَعِنْ بِهِمُ الْآنَ لِيُعِينُوكَ،فَلاَ يَجِدُ مُعِيناً وَ لاَ مُغِيثاً،وَ يَصِيرُ إِلَى الْعَذَابِ الْأَلِيمِ الْمُهِينِ.
قَالَ الْبَاقِرُ(عَلَيْهِ السَّلاَمَ):وَ مَنْ سَمَّانَا بِأَسْمَائِنَا،وَ لَقَّبَنَا بِأَلْقَابِنَا،وَ لَمْ يُسَمِّ أَضْدَادَنَا بِأَسْمَائِنَا،وَ لَمْ يُلَقِّبْهُمْ بِأَلْقَابِنَا إِلاَّ عِنْدَ الضَّرُورَةِ الَّتِي عِنْدَ مِثْلِهَا نُسَمِّي نَحْنُ وَ نُلَقِّبُ أَعْدَاءَنَا بِأَسْمَائِنَا وَ أَلْقَابِنَا،فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ:
اقْتَرِحُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ هَؤُلاَءِ مَا تُعِينُونَهُمْ بِهِ،فَنَقْتَرِحُ لَهُمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مَا يَكُونُ قَدْرُ الدُّنْيَا كُلِّهَا فِيهِ كَقَدْرِ خَرْدَلَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ،فَيُعْطِيهِمُ اللَّهُ تَعَالَى إِيَّاهُ،وَ يُضَاعِفُهُ لَهُمْ أَضْعَافاً مُضَاعَفَاتٍ.
فَقِيلَ لِلْبَاقِرِ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ):فَإِنَّ بَعْضَ مَنْ يَنْتَحِلُ مُوَالاَتِكُمْ يَزْعُمُ أَنَّ الْبَعُوضَةَ عَلِيٌّ(عَلَيْهِ السَّلاَمَ)وَ أَنَّ مَا فَوْقَهَا-وَ هُوَ الذُّبَابُ-مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)!
[1] المحجّة:جادّة الطّريق.«مجمع البحرين-حجج-2:288».
[2] في«ط»:يقادر.
[3] أناخ فلان بالمكان:أقام.«المعجم الوسيط-2:961».