فبلغ خبره
قريشا فرصدوه على طريقه و قالوا: هذا صنّاجة العرب، ما مدح أحدا قطّ/ إلّا رفع في
قدره: فلما ورد عليهم قالوا له: أين أردت يا أبا بصير؟ قال:/ أردت صاحبكم هذا
لأسلم، قالوا: إنه ينهاك عن خلال و يحرّمها عليك، و كلّها بك رافق و لك موافق.
قال: و ما هنّ؟ فقال أبو سفيان بن حرب: الزّنا: قال: لقد تركني الزّنا و مما
تركته؛ ثم ما ذا؟ قال: القمار. قال: لعلّي إن لقيته أن أصيب منه عوضا من القمار؛ ثم
ما ذا؟ قالوا: الرّبا.
قال: ما دنت و
لا ادّنت؛ ثم ما ذا؟ قالوا: الخمر. قال: أوّه! أرجع إلى صبابة قد بقيت لي في
المهراس [1] فأشربها.
فقال له أبو
سفيان: هل لك في خير مما هممت به؟ قال: و ما هو؟ قال: نحن و هو الآن في هدنة،
فتأخذ مائة من الإبل و ترجع إلى بلدك سنتك هذه و تنظر ما يصير إليه أمرنا، فإن
ظهرنا عليه كنت قد أخذت خلفا، و إن ظهر علينا أتيته. فقال: ما أكره ذلك. فقال أبو
سفيان: يا معشر قريش، هذا الأعشى! و اللّه لئن أتى محمدا و اتّبعه ليضر منّ عليكم
نيران العرب بشعره، فاجمعوا له مائة من الإبل، ففعلوا؛ فأخذها و انطلق إلى بلده.
فلما كان بقاع منفوحة [2] رمى به بعيره فقتله.
قبره بمنفوحة
يتنادم عليه الفتيان:
أخبرني يحيى بن
عليّ بن يحيى قال حدّثنا محمد بن إدريس بن سليمان بن أبي حفصة قال. قبر الأعشى
بمنفوحة و أنا رأيته؛ فإذا أراد الفتيان أن يشربوا خرجوا إلى قبره فشربوا عنده و
صبّوا عنده فضلات الأقداح.
أخبرني أبو
الحسن الأسديّ قال حدّثنا عليّ بن سليمان النّوفلي قال حدّثنا أبي قال: أتيت
اليمامة واليا عليها، فمررت بمنفوحة و هي منزل الأعشى التي يقول فيها:
بشطّ منفوحة
فالحاجر
فقلت: أ هذه
قرية الأعشى؟ قالوا نعم. فقلت: أين منزله؟ قالوا: ذاك و أشاروا إليه. قلت: فأين
قبره؟ قالوا:
بفناء بيته.
فعدلت إليه بالجيش/ فانتهيت إلى قبره فإذا هو رطب. فقلت: مالي أراه رطبا؟ فقالوا:
إن الفتيان ينادمونه فيجعلون قبره مجلس رجل منهم، فإذا صار إليه القدح صبّوه عليه
لقوله: «أرجع إلى اليمامة فأشبع من الأطيبين الزنا و الخمر».
صوت معبد
المسمى بالدوامة في شعره:
و أخبرنا الحسن
بن عليّ قال حدّثنا هارون بن محمد بن عبد الملك الزيّات قال حدّثنا الأطروش بن
إسحاق بن إبراهيم عن أبيه: