-/ غنّاه ابن محرز خفيف ثقيل أوّل بالبنصر-
فقال الفرزدق: ما أرقّ أشعاركم يأهل الحجاز و أملحها! قال: أ و ما تدري لمن هذا
الشعر؟ قال: لا و اللّه. قال: فهو و اللّه لجرير يهجوك به. فقال: ويل ابن المراغة!
ما كان أحوجه مع عفافه إلى صلابة شعري، و أحوجني مع شهواتي إلى رقّة شعره!.
قدم المدينة
و تحدث مع الأحوص حتى أخزاه و أقبل على أشعب و أجازه
: أخبرني أحمد
قال حدّثنا عمر بن شبّة عن إسحاق الموصليّ، و أخبرني محمد بن مزيد عن حمّاد عن
أبيه قال [قال] [3] إسحاق بن يحيى بن طلحة:
قدم علينا جرير
المدينة فحشدنا له، فبينا نحن عنده ذات يوم إذ قام لحاجته، و جاء الأحوص فقال: أين
هذا؟
فقلنا: قام
آنفا، ما تريد منه؟ قال: أخزيه، و اللّه إن الفرزدق لأشعر منه و أشرف. فأقبل جرير
علينا و قال: من الرجل؟ قلنا: الأحوص بن محمد بن عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح. قال:
هذا الخبيث بن الطيّب. ثم أقبل عليه فقال: قد قلت:
يقرّ بعيني ما يقرّ بعينها
و أحسن شيء ما به العين قرّت
/ فإنه يقرّ بعينها أن يدخل فيها مثل ذراع
البكر، أ فيقرّ ذلك بعينك؟- قال: و كان الأحوص يرمى بالأبنة- فانصرف و أرسل إليه
بتمر و فاكهة. و أقبلنا نسأل جريرا و هو في مؤخّر البيت و أشعب عند الباب؛ فأقبل
أشعب يسأله؛ فقال له جرير: و اللّه إنك لأقبحهم وجها و لكنّي أراك أطولهم حسبا، و
قد أبرمتني. فقال: أنا و اللّه أنفعهم لك. فانتبه جرير فقال: كيف؟ قال: إني لأملّح
شعرك؛ و اندفع يغنّيه قوله:
صوت
يا أخت ناجية السلام عليكم
قبل الفراق و قيل لوم العذّل
لو كنت أعلم أن آخر عهدكم
يوم الفراق فعلت ما لم أفعل
قال: فأدناه
جرير منه حتى ألصق ركبته بركبته و جعله قريبا منه؛ ثم قال: أجل! و اللّه إنك
لأنفعهم لي و أحسنهم تزيينا [4] لشعري، أعد؛ فأعاده عليه و جرير يبكي حتى اخضلّت
لحيته، ثم وهب لأشعب دراهم كانت معه و كساه حلّة من حلل الملوك. و كان يرسل إليه
طول مقامه بالمدينة فيغنّيه أشعب و يعطيه جرير شعره فيغنّي فيه قال:
[1]
سعد: ذكر البكري في «معجم ما استعجم» أنه موضع بنجد، و استشهد بهذا البيت.
[2] دارة
صلصل: لعمرو بن كلاب و هي بأعلى دارها بنجد، كذا ذكر ياقوت في «معجمه».