فقال له ابن
مناذر: حسبك، قد استغنيت عن أن تزيد شيئا، و اللّه لو لم تقل في دهرك كلّه غير هذا
البيت لفضّلتك به على سائر من وصف الخمر؛ قم فأنت أشعر و قصيدتك أفضل. فحكم له و
قام أبو نواس منكسرا.
قال شعرا
لكثير بن إسماعيل استرضى به المعتصم
: أخبرني عمّي
قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني محمد بن محمد قال حدّثني كثير بن
إسماعيل التحتكار قال:
لمّا قدم
المعتصم بغداد، سأل عن ندماء صالح بن الرشيد و هم أبو الواسع و قنّينة و حسين بن
الضحّاك و حاتم الرّيش و أنا، فأدخلنا عليه. فلشؤمي و شقائي كتبت بين عينيّ:
«سيّدي هب لي شيئا». فلما رآني/ قال: ما هذا على جبينك؟! فقال حمدون [1] بن
إسماعيل: يا سيّدي تطايب بأن كتب على جبينه: «سيّدي هب لي شيئا»!. فلم يستطب لي
ذلك و لا استملحه، و دعا بأصحابي من غد و لم يدع بي. ففزعت إلى حسين بن الضحّاك؛
فقال لي: إنّي لم أحلل من أنسه بعد بالمحلّ الموجب أن أشفع إليه فيك، و لكني أقول
لك بيتين من شعر و ادفعهما إلى حمدون بن إسماعيل يوصلهما، فإن ذلك أبلغ. فقلت:
أفعل. فقال حسين:
قل لدنيا أصبحت تلعب بي
سلّط اللّه عليك الآخرة
إن أكن أبرد من قنّينة
و من الرّيش فأمّي فاجره
قال: فأخذتهما
و عرّفت حمدون أنهما لي و سألته إيصالهما ففعل؛ فضحك المعتصم و أمر لي بألفي دينار
و استحضرني و ألحقني بأصحابي.
كان ابن
بُسخُنَّر يكره الصبوح فقال فيه شعرا
: أخبرني عمّي
قال حدّثني هارون بن محمد بن عبد الملك قال قال لي أحمد [2] بن حمدون:
كان محمد بن
الحارث بن بُسخُنَّر لا يرى الصّبوح و لا يؤثر على الغبوق شيئا، و يحتجّ بأن من
خدم الخلفاء كان اصطباحه استخفافا بالخدمة، لأنه لا يأمن أن/ يدعى على غفلة و
الغبوق يؤمّنه من ذلك، و كان المعتصم يحبّ الصبوح؛ فكان يلقّب ابن بُسخُنَّر
الغبوقيّ. فإذا حضر مجلس المعتصم مع المغنّين منعه الصّبوح و جمع له مثل ما يشرب نظراؤه،
فإذا كان الغبوق سقاه إيّاه جملة غيظا عليه؛ فيضجّ [3] من ذلك و يسأل أن يترك حتى
يشرب مع النّدماء إذا حضروا [4] فيمنعه ذلك. فقال فيه حسين بن الضحّاك و في حاتم
الرّيش الضّرّاط و كان من المضحكين:
حبّ أبي جعفر للغبوق
كقبحك يا حاتم مقبلا
[1]
هو حمدون بن إسماعيل بن داود الكاتب. و هو أول من نادم [الخلفاء] من أهله. (عن
«فهرست ابن النديم»).
[2] هو أحمد
بن حمدون بن إسماعيل راوية إخباري روى عن العدوي، له من الكتب «كتاب الندماء و
الجلساء». (عن «فهرست ابن النديم»).