فجعل يردّد البيت الأول و
البيت الأخير، و قال لي: لا تخرجنّ يا خليلي من هذا إلى غيره، فلم أزل أردده عليه،
حتى شرب ثلاثا، و استرحت ساعة، و شربت و طابت نفسي، ثم استعادني فغنّيته، فأعجب به
خلاف الأول، فنظر إليّ و ضحك، و لم يقل شيئا، و شرب رطلا رابعا و جاءت المغرب،
فقال لي: يا خليلي، ما أشك في أنك قد أوحشت ابني [1] منك، فامض في حفظ اللّه
تعالى. فخرجت أطير فرحا بانصرافي سالما، فلما وافيت أبا أحمد، و بصر بي من بعيد
قال: حنطة، أو شعير؟ فقلت، بل سمسم و شهد، انج على رغم أنف من رغم، فقال: ويحك، أ
تراني لا أعرف فصلك! و لكن أحببت أن أستعين برأيه على رأيي فيك، و قصصت عليه
القصة، فسرّه ذلك، و لم يرض حتّى دسّ إليه محمد بن راشد الخناق، فسأله عني، فقال:
ما ظننت أن يكون في صناعته مثله.
إسحاق يزكيه:
قال أبو حشيشة: و سمع
إسحاق بن إبراهيم الموصليّ غنائي فاستحسنه، فسئل عني، فقال: غناء الطّنبور كله
ضعيف، و ما سمعت فيه قطّ أقوى و لا أصحّ من هذا.
موت أبي حشيشة:
حدّثني جحظة، قال: كان سبب
موت أبي حشيشة بسرّ من رأى، أن قلما غلام الفضل بن كاووس صار إليه في يوم بارد،
فدعاه إلى الصّبوح، فقال له: أنا لا آكل إلا طعاما حارّا، و ليس عندك إلا فضيلة من
مجليّة، قال:
تساعدني، و تأكل معي، فأكل
منها، فجمّدت دم قلبه، فمات، فحمله إبراهيم بن المدبّر إلى بناته و ما كسبه بسر من
رأى معه، فاقتسمنه بينهنّ.
صوت
سقيا لقاطول لا أرى
بلدا
أوطنه الموطنون يشبهها
أمنا و خفضا و لا
كبهجتها
أرغد أرض عيشا و أرفهها
البيت الأول من البيتين
لعنان جارية الناطفيّ، و الثاني يقال: إنه لعمرو الوراق [2]، و يقال إنّه لأبي
نواس، و يقال بل هو لها.
و الغناء لعريب خفيف رمل.
و كان الشعر: «سقيا لبغداد» فعيّرته عريب و
جعلت مكانه «سقيا لقاطول».