الخوارج: يا أعداء اللّه،
أ نحن نفسد في الأرض! إنما خرجنا لنكفّ أهل الفساد، و نقاتل من قاتلنا و استأثر
بالفيء فانظروا لأنفسكم، و اخلعوا من لم يجعل اللّه له طاعة، فإنه/ لا طاعة لمن
عصى اللّه، و ادخلوا في السّلم، و عاونوا أهل الحقّ، فقال له [1] عبد العزيز: ما
تقول في عثمان؟ قال: قد برئ المسلمون منه قبلي، و أنا متّبع آثارهم، و مقتد بهم،
قال: فارجع إلى أصحابك، فليس بيننا و بينهم إلا السيف.
الآن حلت لكم دماؤهم:
فرجع إلى أبي حمزة،
فأخبره، فقال: كفّوا عنهم، و لا تقاتلوهم. حتى يبدءوكم بالقتال، فواقفوهم، و لم
يقاتلوهم. فرمى رجل من أهل المدينة في عسكر أبي حمزة بسهم، فجرح رجلا، فقال أبو
حمزة: شأنكم الآن بهم، فقد حلّ قتالهم: فحملوا عليهم، و ثبت بعضهم لبعض، و راية
قريش مع إبراهيم بن عبد اللّه بن مطيع.
ثم انكشف أهل المدينة، فلم
يتبعوهم، و كان على مجنّبتهم ضمير بن صخر بن أبي الجهم بن حذيفة، فكرّ و كرّ الناس
معه، فقاتلوا قليلا، ثم انهزموا، فلم يبعدوا. حتى كرّوا ثالثة، و قاتلهم أبو حمزة،
فهزمهم هزيمة/ لم تبق منهم باقية، فقال له عليّ بن الحصين: أتبع القوم، أو دعني
أتبعهم، فأقبل المدبر، و أذفّف [2] على الجريح، فإن هؤلاء أشرّ علينا من أهل
الشأم، فلو قد جاءوك غدا لرأيت من هؤلاء ما تكره، فقال: لا أفعل، و لا أخالف سيرة
أسلافنا. و أخذ جماعة منهم أسراء، فأراد إطلاقهم، فمنعه عليّ بن الحصين، و قال له:
إنّ لأهل كلّ زمان سيرة، و هؤلاء لم يؤسروا و هم هرّاب، و إنما أسروا و هم
يقاتلون، و لو قتلوا في ذلك الوقت لم يحرم قتلهم، و كذلك الآن قتلهم حلال، فدعا
بهم، فكان إذا رأى رجلا من قريش قتله، و إذا رأى رجلا من الأنصار أطلقه، فأتي
بمحمد بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان، فنسبه. فقال: أنا رجل من الأنصار، فسأل
الأنصار عنه، فشهدوا له، فأطلقه، فلما ولّى قال: و اللّه إني لأعلم أنه قرشيّ و ما
حذاوه [3] هذا حذاوة أنصاريّ، و لكن قد أطلقته./ قال: و بلغت قتلى قديد ألفين و
مائتين و ثلاثين رجلا، منهم من قريش أربعمائة و خمسون رجلا، و من الأنصار ثمانون،
و من القبائل و الموالي ألف و سبعمائة، قال: و كان في قتلى قريش من بني أسد بن عبد
العزّى أربعون رجلا، و قتل يومئذ أمية بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان، خرج يومئذ
مقنّعا، فما كلّم أحدا، و قاتل حتى قتل، و قتل يومئذ سميّ مولى أبي بكر الذي يروي
عنه مالك بن أنس، و دخل بلج المدينة بغير حرب، فدخلوا في طاعته، و كف عنهم، و رجع
أبو حمزة إلى مكة، و كان على شرطته أبو بكر بن عبد اللّه بن عمرو من آل سراقة من
بني عديّ، فكان أهل المدينة يقولون: لعن اللّه السّراقيّ، و لعن بلجا العراقي.
نائحة المدينة تبكي قتلى
قديد:
و قالت نائحة أهل المدينة
تبكيهم:
ما للزمان و ماليه
أفنت قديد رجاليه
فلأبكينّ سريرة
و لأبكينّ علانيه
[1]
ضمير «له» يعود على بلج بن عتبة، و إن لم يتقدم ذكره.