ثم إن عمرا أتى حسّان أخاه
و هو نائم على فراشه، فقتله، و استولى على ملكه. فلم يبارك فيه، و سلّط اللّه عليه
السهر، و امتنع منه النوم، فسأل الأطباء و الكهّان و العيّاف، فقال له كاهن منهم:
إنه ما قتل أخاه رجل قطّ إلا منع نومه، فقال عمرو: هؤلاء رؤساء حمير حملوني على
قتله ليرجعوا إلى بلادهم، و لم ينظروا إليّ و لا لأخي.
فجعل يقتل من أشار عليه
منهم بقتله، فقتلهم رجلا رجلا، حتى خلص إلى ذي رعين و أيقن بالشرّ، فقال له ذو
رعين: أ لم تعلم أني أعلمتك ما في قتله، و نهيتك و بيّنت هذا؟ قال: و فيم هو؟ قال:
في الكتاب الذي استودعتك.
فدعا بالكتاب، فلم يجده،
فقال ذو رعين: ذهب دمي على أخذي بالحزم، فصرت كمن أشار بالخطإ، ثم سأل الملك أن
ينعم في طلبه، ففعل، فأتى به فقرأه، فإذا فيه البيتان، فلما قرأهما قال: لقد أخذت
بالحزم، قال:
إني خشيت ما رأيتك صنعت
بأصحابي.
ذو شناتر و ذو نواس
قال: و تشتّت أمر حمير حين
قتل أشرافها، و اختلفت عليه، حتى وثب على عمرو لخيعة ينوف [1]، و لم يكن من أهل
بيت المملكة، فقتله، و استولى على ملكه، و كان يقال له ذو شناتر [2] الحميريّ، و
كان فاسقا يعمل عمل قوم لوط، و كان يبعث إلى أولاد الملوك فيلوط بهم، و كانت حمير
إذا ليط بالغلام لم تملّكه، و لم ترتفع به، و كانت له مشربة [3]، يكون فيها يشرف
على حرسه، فإذا أتي بالغلام أخرج رأسه إليهم و في فيه السواك، فيقطعون مشافر ناقة
المنكوح و ذنبها، فإذا خرج صيح به: أ رطب أم يباس [4]؟ فمكث بذلك زمانا.
حتى نشأ زرعة ذو نواس، و
كانت له ذؤابة، و بها سمى ذا نواس- و هو الذي تهوّد، و تسمى يوسف، و هو صاحب
الأخدود بنجران، و كانوا نصارى، فخوّفهم، و حرق الإنجيل، و هدّم/ الكنائس، و من
أجله غزت الحبشة اليمن، لأنهم نصارى، فلما غلبوا على اليمن اعترض البحر، و اقتحمه
على فرس فغرق- فلما نشأ ذو نواس قيل له: كأنك و قد فعل بك كذا و كذا، فأخذ سكّينا
لطيفا خفيفا و سمّه، و جعل له غلافا، فلما دعا به لخيعة جعله بين أخمصه و نعله، و
أتاه على ناقة له يقال لها: سراب، فأناخها، و صعد إليه، فلما قام يجامعه كما كان
يفعل انحنى زرعة، فأخذ السكين فوجأ بها بطنه، فقتله، و احتزّ رأسه، فجعل السواك في
فيه، و أطلعه من الكوّة، فرفع الحرس رءوسهم، فرأوه،/ و نزل زرعة، فصاحوا: زرعة يا
ذا نواس، أ رطب أم يباس؟
فقال: ستعلم الأحراس، است
ذي نواس، رطب أم يباس؟ و جاء إلى ناقته، فركبها، فلما رأى الحرس اطّلاع الرأس
صعدوا إليه، فإذا هو قد قتل. فأتوا زرعة، فقالوا: ما ينبغي أن يملكنا غيرك بعد أن
أرحتنا من هذا الفاسق، و اجتمعت حمير إليه، ثم كان من قصّته ما ذكرناه آنفا.
[1]
كذا في اللسان و الجمهرة و هو مأخوذ
من اللخع، و هو استرخاه اللحم و ينوف من نلف الشيء إذا طال و ارتفع.