أخبرني بخبر حسّان الذي من
أجله قال هذا الشعر عليّ بن سليمان الأخفش عن السكريّ، عن ابن حبيب، عن ابن
الأعرابيّ. و عن أبي عبيدة و أبي عمرو، و ابن الكلبي و غيرهم، قال:
كان حسّان بن تبّع أحول
أعسر [1]، بعيد الهمّة شديد البطش، فدخل إليه يوما وجوه قومه- و هم الأقيال من
حمير- فلما أخذوا مواضعهم ابتدأهم فأنشدهم:
أيها الناس إن رأيي
يريني
و هو الرأي طوفة في البلاد
بالعوالي و بالقنابل
تردى
بالبطاريق مشية العوّاد
/ و ذكر الأبيات التي مضت آنفا، ثم قال لهم: استعدّوا
لذلك، فلم يراجعه أحد لهيبته، فلما كان بعد ثلاثة خرج، و تبعه الناس، حتى وطئ أرض
العجم، و قال: لأبلغنّ من البلاد حيث لم يبلغ أحد من التبابعة، فجال بهم في أرض
خراسان، ثم مضى إلى المغرب، حتى بلغ رومية [2]، و خلف عليها ابن عم له، و أقبل إلى
أرض العراق، حتى إذا صار على شاطئ الفرات، قالت وجوه حمير: ما لنا نفني أعمارنا مع
هذا! نطوف في الأرض كلّها، و نفرّق بيننا و بين بلدنا و أولادنا و عيالنا و
أموالنا! فلا ندري من نخلف عليهم بعدنا! فكلّموا أخاه عمرا، و قالوا له: كلّم أخاك
في الرجوع إلى بلده، و ملكه. قال: هو أعسر من ذلك و أنكر [3]، فقالوا: فاقتله، و
نملّكك علينا، فأنت أحقّ/ بالملك من أخيك، و أنت أعقل و أحسن نظرا لقومك، فقال:
أخاف ألّا تفعلوا، و أكون قد قتلت أخي، و خرج الملك عن يدي، فواثقوه، حتى ثلج [4]
إلى قولهم، و أجمع الرؤساء على قتل أخيه كلّهم إلا ذا رعين، فإنه خالفهم، و قال:
ليس هذا برأي، يذهب الملك من حمير. فشجّعه الباقون على قتل أخيه، فقال ذو رعين: إن
قتلته باد ملكك.
فلما رأى ذو رعين ما أجمع
عليه القوم أتاه بصحيفة مختومة، فقال: يا عمرو: إني مستودعك هذا الكتاب، فضعه عندك
في مكان حريز، و كتب فيه: