كانت عبيدة من المحسنات
المتقدّمات في الصنعة و الآداب يشهد لها بذلك إسحاق و حسبها بشهادته. و كان أبو
حشيشة [1]، يعظّمها، و يعترف لها بالرئاسة و الأستاذية، و كانت/ من أحسن الناس
وجها، و أطيبهم صوتا.
ذكرها جحظة في كتاب
الطّنبوريين و الطّنبوريات، و قرأت عليه خبرها فيه فقال: كانت من المحسنات، و كانت
لا تخلو من عشق، و لم يعرف في الدنيا امرأة أعظم [2] منها في الطنبور، و كانت لها
صنعة عجيبة، فمنها في الرمل:
أخبرني محمد بن مزيد بن
أبي الأزهر قال: حدثنا حماد بن إسحاق قال: قال، لي عليّ بن الهيثم اليزيديّ:
كان أبو محمد- يعني أبي
رحمه اللّه إسحاق بن إبراهيم الموصليّ- يألفني و يدعوني، و يعاشرني، فجاء يوما إلى
أبي الحسن إسحاق بن إبراهيم فلم يصادفه، فرجع و مرّ بي، و أنا مشرف من جناح لي،
فوقف و سلّم عليّ.
و أخبرني بقصته، و قال؛ هل
تنشط اليوم للمسير إليّ؟ فقلت له: ما على الأرض [4]/ شيء أحبّ إليّ من ذلك، و
لكني أخبرك بقصتي، و لا أكتمك. فقال: هاتها، فقلت: عندي اليوم محمد بن عمرو بن
مسعدة و هارون بن أحمد ابن هشام، و قد دعونا عبيدة الطّنبورية، و هي حاضرة، و
الساعة يجيء الرجلان، فامض في حفظ اللّه، فإني أجلس معهم حتى تنتظم أمورهم، و
أروح إليك، فقال لي: فهلّا عرضت عليّ المقام عندك؟ فقلت له: لو علمت أن ذلك مما
تنشط له و اللّه لرغبت إليك فيه، فإن تفضّلت بذلك كان أعظم لمنّتك، فقال: أفعل،
فإني قد كنت أشتهي أن أسمع عبيدة، و لكن لي عليك شريطة، قلت: هاتها، قال: إنها إن
عرفتني و سألتموني أن أغنّي بحضرتها لم يخف عليها أمري و انقطعت فلم تصنع شيئا،
فدعوها على جبلّتها [5]، فقلت: أفعل ما أمرت به، فنزل و ردّ دابته و عرّفت صاحبيّ
ما جرى، فكتماها أمره و أكلنا ما حضر، و قدّم النبيذ، فغنت لحنا لها تقول:
[1]
هو محمد بن علي بن أبي أمية كان نديم
الخلفاء و له كتاب في الطنبوريين أجاد فيه.