أوس بن ذبّي اليهوديّ رجل
من بني قريظة، و بنو قريظة و بنو النضير يقال لهم: الكاهنان، و هم من ولد الكاهن
ابن هارون بن عمران أخي موسى بن عمران صلى اللّه على محمد و آله و عليهما، و كانوا
نزولا بنواحي يثرب بعد وفاة موسى ابن عمران عليه السلام، و قبل تفرق الأزد عند
انفجار سيل العرم و نزول الأوس و الخزرج بيثرب.
العمالقة في المدينة
أخبرني بذلك عليّ بن
سليمان الأخفش، عن جعفر بن محمد العاصي [1] عن أبي المنهال عيينة بن المنهال
المهلبي، عن أبي سليمان: جعفر بن سعد، عن العماري، قال:
كان ساكنو المدينة في أول
الدهر قبل بني إسرائيل قوما من الأمم الماضية، يقال لهم: العماليق، و كانوا قد
تفرقوا في البلاد، و كانوا أهل عز و بغي شديد، فكان ساكني المدينة منهم بنو هفّ
[2] و بنو سعد و بنو الأزرق و بنو مطروق، و كان ملك الحجاز منهم رجل يقال له:
الأرقم، ينزل ما بين تيماء إلى فدك، و كانوا قد ملئوا المدينة، و لهم بها نخل كثير
و زروع، و كان موسى بن عمران عليه السلام قد بعث الجنود إلى الجبابرة من أهل القرى
يغزونهم، فبعث موسى عليه السلام إلى العماليق جيشا من بني إسرائيل، و أمرهم أن
يقتلوهم جميعا إذا ظهروا عليهم، و لا يستبقوا منهم أحدا، فقدم الجيش الحجاز،
فأظهرهم اللّه عز و جل على العماليق، فقتلوهم أجمعين إلا ابنا للأرقم؛ فإنه كان
وضيئا جميلا، فضنّوا به على القتل، و قالوا: نذهب به إلى موسى بن عمران، فيرى فيه
رأيه، فرجعوا إلى الشام،/ فوجدوا موسى- عليه السلام- قد توفي، فقالت لهم بنو
اسرائيل: ما صنعتم؟ فقالوا: أظهرنا اللّه جل و عز عليهم، فقتلناهم، و لم يبق منهم
أحد غير غلام كان شابا جميلا، فنفسنا به عن القتل، و قلنا: نأتي به موسى عليه
السلام، فيرى فيه رأيه، فقالوا لهم: هذه معصية: قد أمرتم ألّا تستبقوا منهم أحدا،
و اللّه لا تدخلون علينا الشام أبدا.
أول استيطان اليهود
المدينة
فلما منعوا ذلك قالوا: ما
كان خيرا لنا من منازل القوم الذين قتلناهم بالحجاز؛ نرجع إليهم [3]، فنقيم بها،
فرجعوا على حاميتهم، حتى قدموا المدينة، فنزلوها، و كان ذلك الجيش أول سكنى اليهود
المدينة، فانتشروا في نواحي المدينة كلها إلى العالية، فاتّخذوا بها الآطام [4] و
الأموال و المزارع، و لبثوا بالمدينة زمانا طويلا.