فقلت له: نعم، أنا أتحمّل
هذه الرسالة و كرامة، على ما فيها، حفظا لروحك عليك،/ فإني لا آمن أن يتمادى بك
هذا الأمر. فأخذت الرقعة و جعلت طريقي على منزل النخاس، فبعثت إلى الجارية: اخرجي،
فخرجت، فدفعت إليها الرقعة، و أخبرتها بخبري فضحكت، و رجعت إلى الموضع الّذي أقبلت
منه فجلست جلسة خفيفة، ثم إذا بها قد وافتني و معها رقعة، فيها:
غنّى في هذه الأبيات عمرو
بن بانة، و لحنه ثقيل أول بالبنصر، و لمقاسة بن ناصح فيها ثقيل آخر بالوسطى.
لحن عمرو في الأول و
الثالث بغير نشيد.
قال: فأخذت الرّقعة منها و
أوصلتها إليه، و صرت إلى منزلي، فصنعت في بيتي محمد بن جعفر لحنا و في أبياتها
لحنا، ثم صرت إلى الأمير صالح بن الرشيد، فعرّفته ما كان من خبري، و غنّيته
الصوتين، فأمر بإسراج دوابه فأسرجت، و ركب فركبت معه إلى النخّاس مولى نيران، فما
برحنا حتى اشتراها منه بثلاثة آلاف دينار، و حملها إلى دار محمد بن جعفر فوهبها
له، فأقمنا يومنا عنده.
أخبرنا محمد بن يحيى الصوليّ
قال: حدّثني يزيد بن محمد المهلبيّ قال:
دخلت على الواثق يوما و هو
خليفة و رباب في حجره جالسة، و هي صبية، و هو يلقي عليها قوله:
/
ضيّعت عهد فتى لعهدك حافظ
في حفظه عجب و في تضييعك
و هي تغنّيه و يردده
عليها، فما سمعت غناء قطّ أحسن من غنائهما جميعا، و ما زال يردّده عليها حتى
حفظته.