قال ابن المرزبان: فكان
عبد اللّه بن العبّاس سببا لمعرفة أولياء العهود برأي الخلفاء فيهم، فكان منهم
الواثق، فإنه أحبّ أن يعرف: هل يولّيه المعتصم العهد بعده أم لا، فقال له عبد
اللّه: أنا أدلّك على وجه تعرف به ذلك، فقال: و ما هو؟ فقال: تسأل أمير المؤمنين
أن يأذن للجلساء و المغنّين أن يصيروا إليك، فإذا فعل ذلك فاخلع عليهم/ و عليّ
معهم، فإني لا أقبل خلعتك لليمين الّتي عليّ؛ ألّا أقبل رفدا إلا من خليفة أو وليّ
عهد. فقعد الواثق ذات يوم و بعث إلى المعتصم و سأله الإذن إلى الجلساء [1]، فأذن
لهم، فقال له عبد اللّه بن العبّاس: قد علم أمير المؤمنين يميني، فقال له: امض
إليه فإنك لا تحنث، فمضى إليه و أخبره الخبر فلم يصدّقه، و ظنّ أنه يطيّب نفسه،
فخلع عليه و على الجماعة، فلم يقبل عبد اللّه خلعته، و كتب إلى المعتصم يشكوه،
فبعث إليه: اقبل الخلعة،/ فإنه وليّ عهدي، و نمى إليه الخبر أنّ هذا كان حيلة من
عبد اللّه، فنذر دمه، ثم عفا عنه.
و سرّ الواثق بما جرى، و
أمر إبراهيم بن رياح، فاقترض له ثلاثمائة ألف درهم، ففرّقها على الجلساء، ثم عرف
غضب المعتصم على عبد اللّه بن العباس و اطّراحه إيّاه، فاطّرحه هو أيضا. فلمّا ولي
الخلافة استمرّ على جفائه، فقال عبد اللّه:
ما لي جفيت و كنت لا
أجفى
أيام أرهب سطوة السّيف
أدعو إلهي أن أراك
خليفة
بين المقام و مسجد الخيف
و دسّ من غنّاه الواثق،
فلما سمعه سأل عنه، فعرف قائله، فتذمّم [2] و دعا عبد اللّه فبسطه و نادمه إلى أن
مات.
و ذكر العتّابيّ عن ابن
الكلبيّ أنّ الواثق كان يشتهي على عبد اللّه بن العباس:
و أنه غنّاه يوما فأمر بأن
يخلع عليه خلعة، فلم يقبلها ليمينه، فشكاه إلى المعتصم، فكاتبه في الوقت، فكتب
إليه مع مسرور سمّانة: اقبل خلع [4] هارون فإنك لا تحنث، فقبلها و عرف الواثق أنّه
وليّ عهد.
خرج يوم الشعانين ليرى
محبوبته النصرانية
حدّثني عمّي، قال: حدّثني
أحمد بن المرزبان، قال: حدّثني شيبة بن هشام، قال:
كان عبد اللّه بن العبّاس
يهوى جارية نصرانيّة لم يكن يصل إليها و لا يراها إلا إذا خرجت إلى البيعة، فخرجنا
يوما معه إلى السّعانين، فوقف حتى إذا جاءت فرآها، ثم أنشدنا لنفسه، و غنّى فيه
بعد ذلك: