و استحسنّا غناءها و
خاطبناها بالاستحسان، و ألحّ عبد اللّه بن العبّاس من بيننا بالاقتراح عليها و
المزاح معها و النّظر إليها، فقال له أبو عيسى: عشقتها و حياتي يا عبد اللّه، قال:
لا و اللّه/ يا سيّدي و حياتك ما عشقتها، و لكني استحسنت [1] كلّ ما شاهدت منها من
منظر و شكل و عقل و عشرة و غناء، فقال له أبو عيسى: فهذا و اللّه هو العشق و سببه،
و ربّ جدّ جرّه اللّعب. و شربنا، فلما غلب النّبيذ على عبد اللّه غنّى أهزاجا
قديمة و حديثة، و غنّى فيما غنّى بينهما هزجا في شعر قاله فيها لوقته، فما فطن له
إلا أبو عيسى و هو:
- الغناء لعبد اللّه بن العبّاس هزج- فقال له أبو عيسى:
فعلتها و اللّه يا عبد اللّه، و طار/ طربا [4]، و شرب على الصّوت و قال له: صحّ و
اللّه قولي لك في عساليج، و أنت تكابرني حتّى فضحك السّكر. فجحد، و قال: هذا غناء
كنت أرويه، فحلف أبو عيسى أنه ما قاله و لا غنّاه إلا في يومه، و قال له: احلف
بحياتي أنّ الأمر ليس هو كذلك، فلم يفعل، فقال له أبو عيسى: و اللّه لو كانت لي
لوهبتها لك، و لكنها لآل يحيى بن معاذ، و اللّه لئن باعوها لأملّكنّك إيّاها و لو
بكلّ ما أملك، و و حياتي لتنصرفنّ قبلك إلى منزلك، ثم دعا بحافظتها و خادم [5] من
خدمه، فوجّه بها معهما إلى منزله. و التوى عبد اللّه قليلا و تجلّد، و جاحدنا أمره
ثم انصرف.
اشترت عمته عساليج ثم
وهبتها له
و اتّصل الأمر بينهما بعد
ذلك، فاشترتها عمّته رقيّة بنت الفضل بن الرّبيع من آل يحيى بن معاذ، و كانت عندهم
حتى ماتت.
فحدّثني جعفر بن قدامة بن
زياد عن بعض شيوخه- سقط عني اسمه- قال: قالت بذل الكبيرة لعبد اللّه بن العبّاس:
قد بلغني أنك عشقت جارية يقال لها عساليج فاعرضها عليّ، فإمّا أن عذرتك و إمّا أن
عذلتك، فوجّه إليها فحضرت، و قال لبذل: هذه هي يا ستي فانظري و اسمعي، ثم مريني
بما شئت أطعك، فأقبلت عليه عساليج و قالت:
يا عبد اللّه أ تشاور فيّ؟
فو اللّه ما شاورت لمّا صاحبتك، فنعرت [6] بذل و صاحت: إيه، أحسنت و اللّه يا
صبيّة، و لو لم