فقال: ضعها بين يديه. و
قال لابن زبنج، أثبت قيمتها. فكتب ذلك، و وضعت العمامة بين يدي الأعرابيّ، فكاد
يدخل بعضه في بعض غيظا، و لم يقدر على الكلام، ثم قال: هات قلنسوتي، فأخرج قلنسوة
طويلة خلقة قد علاها الوسخ و الدّهن و تخرّقت، تساوي نصف درهم، فقال: قوّم، فقال:
قلنسوة الأمر تعلو هامته/ و يصلّي فيها الصّلوات الخمس، و يجلس للحكم؛ ثلاثون
دينارا. قال: أثبت، فأثبت ذلك، و وضعت القلنسوة بين يدي الأعرابيّ، فتربّد وجهه و
جحظت عيناه و همّ بالوثوب، ثم تماسك و هو متقلقل.
ثم قال لأشعب: هات ما
عندك، فأخرج خفّين خلقين قد نقبا [1] و تقشّرا و تفتّقا، فقال له: قوّم، فقال:
خفّا الأمير يطأ بهما الرّوضة، و يعلو بهما منبر النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم؛/
أربعون دينارا. فقال: ضعهما بين يديه فوضعهما. ثم قال للأعرابيّ: اضمم إليك متاعك،
و قال لبعض الأعوان: اذهب فخذ الجمل، و قال لآخر: امض مع الأعرابيّ فاقبض منه ما
بقي لنا عليه من ثمن المتاع و هو عشرون دينارا، فوثب الأعرابيّ فأخذ القماش فضرب
به وجوه القوم لا يألو في شدّة الرّمي به، ثم قال له: أ تدري أصلحك اللّه من أي
شيء أموت؟ قال: لا، قال: لم أدرك أباك عثمان فأشترك و اللّه في دمه إذ ولد مثلك،
ثم نهض مثل المجنون حتى أخذ برأس بعيره، و ضحك أبان حتى سقط و ضحك كلّ من كان معه.
و كان الأعرابيّ بعد ذلك إذا لقي أشعب يقول له: هلمّ إليّ يا بن الخبيثة حتى
أكافئك على تقويمك المتاع يوم قوّم، فيهرب أشعب منه.
يخشى أن تحسده العجوز
على خفة موته
أخبرني جعفر بن قدامة،
قال: حدثنا أحمد بن الحارث، عن المدائنيّ، قال: حدّثني شيخ من أهل المدينة، قال:
كانت بالمدينة عجوز شديدة
العين، لا تنظر إلى شيء تستحسنه إلا عانته [2]، فدخلت على أشعب و هو في الموت، و
هو يقول لبنته: يا بنيّة، إذا متّ فلا تندبيني، و الناس يسمعونك، فتقولين: وا
أبتاه أندبك للصّوم و الصّلوات، وا أبتاه أندبك للفقه و القراءة، فيكذّبك النّاس و
يلعنوني. و التفت أشعب فرأى المرأة، فغطّى وجهه بكمّه و قال لها: يا فلانة باللّه
إن كنت استحسنت شيئا ممّا أنا فيه فصلّي على النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لا
تهلكيني. فغضبت المرأة و قالت: سخنت عينك [3]، في أيّ شيء أنت مما يستحسن! أنت في
آخر رمق! قال: قد علمت و لكن قلت لئلا تكوني/ قد استحسنت خفّة الموت عليّ و سهولة
النّزع، فيشتدّ ما أنا فيه. و خرجت من عنده و هي تشتمه، و ضحك كلّ من كان حوله من
كلامه، ثم مات.
أمثلة من طرائفه و طمعه
أخبرني الحسن بن عليّ،
قال: حدّثنا أحمد بن أبي طاهر، قال: حدّثنا أبو أيوب المدينيّ، عن مصعب، قال:
لاعب أشعب رجلا بالنّرد،
فأشرف على أن يقمره إلا بضرب دو يكين، و وقع الفصّان في يد ملاعبه، فأصابه