فنزل المغيرة و دخل القصر،
فاستأذن عليه قومه، و دخلوا و لاموه/ في احتماله حجرا، فقال لهم: إني قد قتلته.
قالوا: و كيف ذلك!؟ قال: إنه سيأتي أمير بعدي فيحسبه مثلي فيصنع به شبيها بما
ترونه، فيأخذه عند أوّل وهلة فيقتله شرّ قتلة. إنه قد اقترب أجلي، و ضعف عملي، و
ما أحبّ أن أبتدئ أهل هذا المصر بقتل خيارهم و سفك دمائهم، فيسعدوا بذلك و أشقى، و
يعزّ معاوية في الدنيا و يذلّ المغيرة في الآخرة، سيذكرونني لو قد حرّبوا العمّال.
قال الحسن بن عقبة: فسمعت
شيخا من الحيّ يقول: قد و اللّه جرّبناهم فوجدناه خيرهم.
زياد يذكره بصداقته و
يحذره ما كان يفعل مع المغيرة
قال: ثم هلك المغيرة سنة
خمسين، فجمعت الكوفة و البصرة لزياد، فدخلها، و وجّه إلى حجر فجاءه، و كان له قبل
ذلك صديقا، فقال له: قد بلغني ما كنت تفعله بالمغيرة فيحتمله منك؛ و إني و اللّه
لا أحتملك [1] على مثل ذلك أبدا، أ رأيت ما كنت تعرفني به من حبّ عليّ و ودّه،
فإنّ اللّه قد سلخه من صدري فصيّره بغضا و عداوة، و ما كنت تعرفني به من بغض
معاوية و عداوته فإنّ اللّه قد سلخه من صدري و حوّله حبّا و مودّة/ و إني أخوك
الذي تعهد، إذا أتيتني و أنا جالس للناس فاجلس معي على مجلسي، و إذا أتيت و لم
أجلس للناس فاجلس حتى أخرج إليك، و لك عندي في كل يوم حاجتان: حاجة غدوة، و حاجة
عشيّة، إنك إن تستقم تسلم لك دنياك و دينك، و إن تأخذ يمينا و شمالا تهلك نفسك و
تشط [2] عندي دمك، إني لا أحبّ التنكيل قبل التقدمة، و لا آخذ بغير حجّة، اللهم
أشهد. فقال حجر: لن يرى الأمير منّي إلّا ما يحبّ، و قد نصح، و أنا قابل نصيحته.
ثم خرج من عنده، فكان
يتّقيه و يهابه، و كان زياد يدنيه و يكرمه و يفضّله، و الشيعة تختلف إلى حجر و
تسمع منه.
زياد ينذره قبل خروجه
إلى البصرة
و كان زياد يشتو بالبصرة،
و يصيف بالكوفة، و يستخلف على البصرة سمرة بن جندب، و على الكوفة عمرو بن حريث،
فقال له عمارة بن عقبة: إنّ الشيعة تختلف إلى حجر، و تسمع منه، و لا أراه عند
خروجك إلّا ثائرا، فدعاه زياد فحذّره و وعظه. و خرج إلى البصرة، و استعمل عمرو بن
حريث، فجعلت الشيعة تختلف إلى حجر، و يجيء حتى يجلس في المسجد فتجتمع إليه الشيعة،
حتى يأخذوا ثلث المسجد أو نصفه، و تطيف بهم النظّارة، ثم يمتلئ المسجد، ثم كثروا،
و كثر لغطهم، و ارتفعت أصواتهم بذمّ معاوية و شتمه و نقص [3] زياد. و بلغ ذلك عمرو
بن حريث، فصعد المنبر، و اجتمع إليه أشراف أهل المصر فحثّهم على الطاعة و الجماعة.
و حذّرهم الخلاف؛ فوثب إليه عنق [4] من أصحاب حجر يكبّرون و يشتمون، حتى دنوا/
منه، فحصبوه و شتموه حتى نزل و دخل القصر، و أغلق عليه بابه، و كتب إلى زياد
بالخبر، فلما أتاه أنشد يتمثّل بقول كعب بن مالك: