و تابع عبد اللّه بن أبيّ
رجال من الخزرج، منهم عمرو بن الجموح الحراميّ. و اجتمع كلام الخزرج على أن رأسوا
عليهم عمرو بن النعمان البيّاضيّ، و ولّوه أمر حربهم، و لبثت الأوس و الخزرج
أربعين ليلة يتصنّعون للحرب، و يجمع بعضهم لبعض، و يرسلون إلى خلفائهم من قبائل
العرب.
حضير الكتائب يحرض الأوس
على القتال
فأرسلت الخزرج إلى جهينة و
أشجع، فكان الذي ذهب إلى أشجع ثابت بن قيس بن شمّاس، فأجابوه،/ و أقبلوا إليهم، و
أقبلت جهينة إليهم أيضا. و أرسلت الأوس إلى مزينة، و ذهب حضير الكتائب الأشهليّ
إلى أبي قيس بن الأسلت، فأمره أن يجمع له أوس اللّه، فجمعهم له أبو قيس، فقام
حضير، فاعتمد على قوسه، و عليه نمرة [1] تشفّ عن عورته، فحرّضهم/ و أمرهم بالجدّ
في حربهم، و ذكر ما صنعت بهم الخزرج من إخراج النّبيت و إذلال من تخلّف من سائر
الأوس، في كلام كثير.
استجابة الأوس لما أراده
حضير
فجعل كلّما ذكر ما صنعت
بهم الخزرج و ما ركبوه منهم يستشيط و يحمى، و تقلص [2] خصيتاه، حتى تغيبا، فإذا
كلّموه بما يحبّ تدلّتا حتى ترجعا إلى حالهما. فأجابته أوس اللّه بالذي يحبّ من
النّصرة و الموازرة و الجدّ في الحرب.
قال هشام: فحدثني عبد
المجيد بن أبي عيسى، عن خير [3]، عن أشياخ من قومه: أن الأوس اجتمعت يومئذ إلى
حضير بموضع يقال له الجباة [4]، فأجالوا الرّأي، فقالت الأوس: إن ظفرنا بالخزرج لم
نبق منهم أحدا و لم نقاتلهم كما كنا نقاتلهم. فقال حضير: يا معشر الأوس؛ ما سمّيتم
الأوس إلّا لأنكم تئوسون [5] الأمور الواسعة. ثم قال:
قال: و لما اجتمعت بالجباة
طرحوا بين أيديهم تمرا، و جعلوا يأكلون/ و حضير الكتائب جالس، و عليه بردة له قد
اشتمل بها الصمّاء [7]، و ما يأكل معهم، و لا يدنو إلى التمر غضبا و حنقا.
[4]
كذا في المختار. و الجباة: ما حول
البئر، أو أنه مخفف الجبأة، بمعنى الأكمة.
[5]
في «اللسان» «أوس» و أوس قبيلة من اليمن، و اشتقاقه من آس يئوس أوسا،
و الاسم الإياس، و هو من العوض.
[6]
أصل الدوار صنم كانت العرب تنصبه و
يجعلون موضعا حوله يدورون به، و اسم ذلك الصنم و الموضع الدوار، و هو بالضم، و قد
يفتح. قال في «اللسان» و الأشهر في اسم
الصنم دوار بالفتح. و منه قول امرئ القيس في معلقته:
عذارى دوار في طلاء
مذبّل
[7]
في «اللسان»: «اشتمال الصماء: أن تجلل جسدك بثوبك، نحو شملة الأعراب
بأكسيتهم؛ و هو أن يردّ الكساء من قبل يمينه على يده اليسرى و عاتقه الأيسر، ثم
يردّه ثانية من خلفه على يده اليمنى و عاتقه الأيمن فيغطيهما جميعا».