أبدا. قال أشعب: فديتك هي
مولاتي و لا بدّ لي منها، و لكن هل لك حيلة في أن تصير إليها و تغنّيها؛ فيكون ذلك
سببا لرضاها عني؟ قال ابن سريج: كلّا و اللّه لا يكون ذلك أبدا بعد أن تركته.
قال أشعب: قد قطعت أملي و
رفعت رزقي، و تركتني حيران بالمدينة، لا يقبلني أحد و هي ساخطة عليّ، فاللّه اللّه
فيّ، و أنا أنشدك إلّا تحمّلت هذا الإثم فيّ، فأبى عليه.
حيلة أشعب لإرغامه
فلما رأى أشعب أنّ عزم ابن
سريج قد تمّ على الامتناع قال في نفسه: لا حيلة لي، و هذا خارج، و إن خرج هلكت،
فصرخ صرخة آذن أهل المدينة لها، و نبّه الجيران من رقادهم، و أقام الناس من فرشهم،
ثم سكت، فلم يدر الناس ما القصّة عند خفوت الصّوت بعد أن قد راعهم.
فقال له ابن سريج: ويلك!
ما هذا؟ قال: لئن لم تصر معي إليها/ لأصرخنّ أخرى لا يبقى بالمدينة أحد إلّا صار
بالباب، ثم لأفتحنّه و لأرينّهم ما بي، و لأعلمنّهم أنك أردت تفعل كذا و كذا
بفلان- يعني غلاما كان ابن سريج مشهورا به- فمنعتك، و خلّصت الغلام من يدك حتى فتح
الباب و مضى؛ ففعلت بي هذا غيظا و تأسّفا، و أنك إنما أظهرت النّسك و القراءة
لتظفر بحاجتك منه، و كان أهل مكة و المدينة يعلمون حاله معه. فقال ابن سريج:
اغرب، أخزاك اللّه. قال
أشعب: و اللّه الذي لا إله إلا هو، و إلا فما أملك صدقة [1]، و امرأته طالق [2]
ثلاثا، و هو نحير [3] في مقام إبراهيم، و الكعبة، و بيت النار، و القبر قبر أبي
رغال [4] إن أنت/ لم تنهض معي في ليلتي هذه لأفعلنّ.
قبوله الذهاب إلى منزل
سكينة
فلما رأى ابن سريج الجدّ
منه قال لصاحبه: ويحك! أما ترى ما وقعنا فيه؟! و كان صاحبه الذي نزل عنده ناسكا؛
فقال: لا أدري ما أقول فيما نزل بنا من هذا الخبيث. و تذمّم ابن سريج من الرجل
صاحب المنزل فقال لأشعب: اخرج من منزل الرجل. فقال: رجلي مع رجلك، فخرجا.
/ فلما
صارا في بعض الطريق قال ابن سريج لأشعب: امض عنّي. قال: و اللّه لئن لم تفعل ما
قلت لأصيحنّ الساعة حتى يجتمع الناس، و لأقولنّ: إنك أخذت مني سوارا من ذهب لسكينة
على أن تجيئها فتغنّيها سرّا، و إنك كابرتني عليه و جحدتني، و فعلت بي هذا الفعل.
فوقع ابن سريج فيما لا
حيلة له فيه. فقال: أمضي، لا بارك اللّه فيك. فمضى معه.
[4]
في القاموس: رغال، ككتاب و في سنن أبي
داود، و دلائل النبوة و غيرهما عن ابن عمر، سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم
حين خرجنا إلى الطائف، فمررنا بقبر، فقال: هذا قبر أبي رغال، و هو من ثقيف، و كان
من ثمود، و كان بهذا الحرم يدفع عنه، فلما خرج منه أصابته النقمة التي أصابت قومه
بهذا المكان، فدفن فيه. و قول الجوهري «كان دليلا للحبشة حين توجهوا إلى مكة فمات في الطريق،
غير جيد. و كذا قول ابن سيده «كان عبدا لشعيب، و كان عشارا جائرا». (رغل).