كانت سفّانة بنت حاتم من
أجود نساء العرب، و كان أبوها يعطيها الصّرمة بعد الصّرمة من إبله، فتنهبها و
تعطيها الناس، فقال لها حاتم: يا بنية، إنّ القرينين إذا اجتمعا في المال أتلفاه،
فإما أن أعطي و تمسكي، أو أمسك و تعطي؛ فإنه لا يبقى على هذا شيء.
شعره يشبه جوده
قال ابن الأعرابيّ:
كان حاتم من شعراء العرب،
و كان جوادا يشبه/ شعره جوده، و يصدّق قوله فعله، و كان حيثما نزل عرف منزله، و
كان مظفّرا، إذا قاتل غلب، و إذا غنم أنهب، و إذا سئل وهب، و إذا ضرب بالقداح فاز،
و إذا سابق سبق، و إذا أسر أطلق، و كان يقسم باللّه ألّا يقتل واحد أمّه.
و كان إذا أهلّ الشهر
الأصمّ [2] الذي كانت مضر تعظّمه في الجاهلية ينحر في كلّ يوم عشرا من الإبل،
فأطعم الناس و اجتمعوا إليه، فكان ممّن يأتيه من الشعراء الحطيئة، و بشر بن أبي
خازم.
فذكروا أن أمّ حاتم أوتيت
و هي حبلى في المنام، فقيل لها: أغلام سمح يقال له: حاتم أحبّ إليك أم عشرة غلمة
كالناس، ليوث ساعة البأس، ليسوا بأوغال و لا أنكاس [3]، فقالت: بل حاتم، فولدت
حاتما.
لا يأكل إلا إذا وجد من
يأكل معه
فلما ترعرع جعل يخرج
طعامه، فإن وجد من يأكله معه أكل، و إن لم يجد/ طرحه. فلما رأى أبوه أنه يهلك
طعامه قال: له الحق بالإبل، فخرج إليها، و وهب له جارية و فرسا و فلوها [4]، فلما
أتى الإبل طفق يبغي الناس فلا يجدهم، و يأتي الطريق فلا يجد عليه أحدا.
عبيد بن الأبرص و بشر بن
أبي خازم و النابغة الذبياني يمتدحونه فيهب لهم إبل جده كلها
فبينا هو كذلك إذ بصر بركب
على الطريق، فأتاهم فقالوا: يا فتى هل من قرى؟ فقال: تسألوني عن القرى و قد ترون
الإبل؟ و كان الذين بصر بهم عبيد بن الأبرص، و بشر بن أبي خازم، و النابغة
الذبيانيّ؛ و كانوا يريدون النعمان، فنحر لهم ثلاثة من الإبل، فقال عبيد: إنما
أردنا بالقرى اللبن، و كانت تكفينا بكرة إذا كنت لا بدّ متكلّفا لنا شيئا، فقال
حاتم: قد عرفت، و لكني رأيت وجوها مختلفة، و ألوانا متفرّقة، فظننت أن البلدان غير
واحدة؛ فأردت أن يذكر كلّ واحد منكم ما رأى إذا أتى قومه، فقالوا فيه أشعارا
امتدحوه بها، و ذكروا فضله. فقال حاتم: أردت أن
[1]
ف «و ما إن ترون»، أ «و ما ترون»، و في الديوان «و لا ما ترون إلا ... طبائعا».
[2]
قال في «القاموس»: «رجب الأصم، لأنه لا ينادي فيه «يا لفلان! و يا صباحاه»!.
[3]
أوغال: جمع وغل، و هو الضعيف النذل
الساقط المقصر. و الأنكاس: جمع نكس، و هو الضعيف المقصر عن غاية الكرم، و في ف «بأوغاد».