لها: غنّيه إياه، فغنّته؛
فصعق الرجل، و خرّ مغشيّا عليه. فقال ابن جعفر: أثمنا فيه، الماء، الماء! فنضح على
وجهه، فلما أفاق قال له: أ كلّ هذا بلغ بك عشقها؟ قال: و ما خفي عنك أكثر. قال: أ
فتحبّ أن تسمعه منها؟
قال: قد رأيت ما نالني حين
سمعته من غيرها، و أنا لا أحبّها، فكيف يكون حالي إن سمعته منها، و أنا لا أقدر
على ملكها! قال: أ فتعرفها إن رأيتها؟ قال: أو أعرف غيرها! فأمر بها فأخرجت، و
قال: خذها فهي لك، و اللّه ما نظرت إليها إلا عن عرض. فقبّل الرجل يديه و رجليه، و
قال: أنمت عيني، و أحييت نفسي، و تركتني أعيش بين قومي، و رددت إليّ عقلي، و دعا
له دعاء كثيرا. فقال: ما أرضى أن أعطيكها هكذا، يا غلام احمل معها مثل ثمنها لكيلا
تهتمّ به و يهتمّ بها.
عروضه من البسيط، و الشعر
للأعشى، أعشى بني قيس بن ثعلبة.
الأصمعي ينحل الأعشى
بيتا من الشعر
و زعم الأصمعيّ أن البيت
الثاني هو صنعه و نحله الأعشى.
أخبرنا محمد بن العباس
اليزيديّ، عن عمه، عن عبد الرحمن ابن أخي الأصمعيّ، عن عمه، قال:
ما نحلت أحدا من الشعراء
شيئا قطّ لم يقله إلّا بيتا واحدا نحلته الأعشى، و هو:
و أنكرتني و ما كان
الذي نكرت
من الحوادث إلا الشّيب و الصّلعا
الغناء لعزّة الميلاء،
خفيف ثقيل أول بالوسطى؛ و ذكر عمرو بن بانة أنه لمعبد، و أنكر إسحاق ذلك و دفعه، و
فيه للغريض ثقيل أول بالبنصر، و قيل: إنه لجميلة.
عبد اللّه بن جعفر يطلب
من أمير المدينة ألا يمنع عزة من الغناء
قال إسحاق: و حدثني ابن
سلّام، عن ابن جعدبة، قال:
كان ابن أبي عتيق معجبا
بعزّة الميلاء، فأتى يوما عند عبد اللّه بن جعفر، فقال له: بأبي أنت و أمي! هل لك
في عزّة، فقد اشتقت إليها! قال: لا، أنا اليوم مشغول. فقال: بأبي أنت و أمي! إنها
لا تنشط إلّا بحضورك، فأقسمت عليك إلّا ساعدتني و تركت شغلك، ففعل، فأتياها و رسول
الأمير على/ بابها يقول لها: دعي الغناء، فقد ضجّ أهل/ المدينة منك، و ذكروا أنك
قد فتنت رجالهم و نساءهم. فقال له ابن جعفر: ارجع إلى صاحبك فقل له عنّي: أقسم
عليك إلّا ناديت في المدينة: أيّما رجل فسد أو امرأة فتنت بسبب عزّة إلّا كشف نفسه
بذلك لنعرفه، و يظهر لنا و لك أمره. فنادى الرسول بذلك، فما أظهر أحد نفسه. و دخل
ابن جعفر إليها و ابن أبي عتيق معه، فقال لها: لا يهولنّك ما سمعت، و هاتي
فغنّينا، فغنّته بشعر القطاميّ [2]: