فبلغت الأبيات أبا العميثل
شاعر آل عبد اللّه بن طاهر، فأتى أبا تمام، و اعتذر إليه لعبد اللّه بن طاهر، و
عاتبه على ما عتب عليه من أجله، و تضمّن له ما يحبه. ثم دخل إلى عبد اللّه، فقال:
أيها الأمير، أ تتهاون بمثل أبي تمّام و تجفوه؟
فو اللّه لو لم يكن له
ماله من النباهة في قدره، و الإحسان في شعره، و الشائع من ذكره، لكان الخوف من
شره، و التوقّي لذمه، يوجب على مثلك رعايته و مراقبته، فكيف و له بنزوعه إليك من
الوطن، و فراقه السّكن، و قد قصدك عاقدا بك أمله، معملا إليك ركابه، متعبا فيك
فكره و جسمه، و في ذلك ما يلزمك قضاء حقه، حتى ينصرف راضيا؛ و لو لم يأت بفائدة، و
لا سمع فيك منه ما سمع إلا قوله:
/ فقال له عبد اللّه: لقد نبّهت فأحسنت، و شفعت فلطفت،
و عاتبت فأوجعت، و لك و لأبي تمام العتبى، ادعه يا غلام. فدعاه، فنادمه يومه، و
أمر له بألفي دينار، و ما يحمله من الظّهر، و خلع عليه خلعة تامة من ثيابه، و أمر
ببذرقته [2] إلى آخر عمله.
أبو تمام لاقط للمعاني
أخبرني جحظة قال: حدّثني
ميمون بن هارون قال:
مرّ أبو تمام بمخنّث يقول
الآخر: جئتك أمس فاحتجبت عني، فقال له: السماء إذا احتجبت بالغيم رجّي خيرها.
فتبينت في وجه أبي تمام أنه قد أخذ المعنى، ليضمنه [3] في شعره، فما لبثنا إلا
أياما حتى أنشدت قوله:
ليس الحجاب بمقص عنك
لي أملا
إنّ السماء ترجّى حين تحتجب
اتهامه بسرقة قصيدة
أخبرني أبو العباس أحمد بن
وصيف، و أبو عبد اللّه أحمد بن الحسن بن محمد الأصبهاني ابن عمي، قال:
حدّثنا محمد بن موسى بن
حماد قال:
كنا عند دعبل أنا و القاسم
[4]، في سنة خمس و ثلاثين و مائتين، بعد قدومه من الشأم، فذكرنا أبا تمام، فثلبه،
و قال: هو سروق للشعر. ثم قال لغلامه: يا ثقيف، هات تلك المخلاة. فجاء بمخلاة فيها
دفاتر، فجعل يمرّها على يده، حتى أخرج منها دفترا، فقال: اقرءوا هذا. فنظرنا فيه،
قال مكنف أبو سلمى، من ولد زهير بن أبي سلمى، و كان هجا ذفافة العبسيّ بأبيات
منها:
[1]
قومس: صقع كبير بين خراسان و بلاد
الجبل. و المهرية: الإبل المنسوبة إلى مهرة بن حيدان من اليمن، و كانت لا يعدل بها
شيء في سرعتها (عن «تاج العروس»).