رأيه، فإنما هي غنيمة من
مشركين و أنا مسلم مصدّق بمحمد صلّى اللّه عليه و سلّم. فقال رسول اللّه صلّى
اللّه عليه و سلّم: أما إسلامك فنقبله [1]، و لا نأخذ من أموالهم شيئا، و لا
نخمسها [1]، لأن هذا غدر، و الغدر لا خير فيه. فأخذني ما قرب و ما بعد، و قلت: يا
رسول اللّه، إنما قتلتهم و أنا على دين قومي، ثم أسلمت حين دخلت عليك الساعة. قال:
فإن الإسلام [2]/ يجبّ ما كان قبله. و كان قتل منهم ثلاثة عشر إنسانا. فبلغ ذلك
ثقيفا بالطائف، فتداعوا للقتال، ثم اصطلحوا على أن يحمل عمي عروة بن مسعود ثلاث
عشرة دية.
قال المغيرة: و أقمت مع
النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم حتى اعتمر عمرة الحديبية، في ذي القعدة سنة ست من
الهجرة، فكانت أوّل سفرة خرجت معه فيها، و كنت أكون مع أبي بكر، و ألزم النبيّ
صلّى اللّه عليه و سلّم فيمن يلزم.
و بعثت قريش عام الحديبية
عروة بن مسعود إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، فأتاه يكلمه، و جعل يمس لحية
رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و أنا قائم على رأسه، مقنّع في الحديد. فقلت
لعروة، و هو يمس لحية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: اكفف يدك قبل ألا تصل
إليك.
فقال عروة: يا محمد، من
هذا؟ ما أفظّه و أغلظه! فقال: هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة. فقال عروة: يا عدوّ
اللّه، ما غسلت عني سوأتك إلا بالأمس، يا غدر.
أول ما عرف من دهائه
أخبرني محمد بن خلف، قال:
حدّثني أحمد [3] بن الهيثم الفراسي، قال: حدّثنا العمريّ، عن الهيثم بن عديّ، عن
مجالد، عن الشعبيّ، قال: قال المغيرة بن شعبة:
أوّل ما عرفني به العرب من
الحزم [4] و الدهاء، أني كنت في ركب من قومي، في طريق لنا إلى الحيرة. فقالوا لي:
قد اشتهينا الخمر، و ما معنا إلا درهم زائف. فقلت: هاتوه و هلمّوا زقّين. فقالوا:
و ما يكفيك لدرهم زائف زق واحد؟ فقلت: أعطوني ما طلبت و خلاكم ذم، ففعلوا و هم
يهزءون بي. فصببت في أحد الزقين شيئا من ماء، ثم جئت إلى خمار، فقلت له: كل لي
ملء هذا الزق. فملأه. فأخرجت الدرهم الزائف، فأعطيته إياه، فقال لي: ما هذا؟
ويحك! أ مجنون أنت؟ فقلت: مالك؟ قال: إن ثمن هذا الزق عشرون درهما جيادا، و هذا
درهم زائف.
فقلت: أنا رجل بدويّ، و ظننت
أن هذا يصلح كما ترى، فإن صلح، و إلا فخذ شرابك. فاكتال مني ما كاله، و بقي في زقي
من الشراب بقدر ما كان فيه من الماء، فأفرغته في الزق الآخر، و حملتهما على ظهري،
و خرجت، و صببت في الزق الأوّل ماء.
و دخلت إلى خمار آخر،
فقلت: إني أريد ملء هذا الزق خمرا، فانظر إلى ما معي منه، فإن كان عندك مثله
فأعطني. فنظر إليه، و إنما أردت ألا يستريب بي إذا رددت الخمر عليه. فلما رآه قال:
عندي أجود منه. قلت:
هات. فأخرج لي شرابا،
فاكتلته في الزق الذي فيه الماء. ثم دفعت إليه الدرهم الزائف، فقال لي مثل قول
صاحبه.