حولا، حتى ترجع إليّ رسلي
التي أرسلت، فإن أنزلتموني طوعا نزلت و حمدتكم و آسيتكم [1] في الرّعي و الماء، و
إن أبيتم أقمت على كرهكم ثم لم ترتعوا معي إلّا فضلا [2]، و لم تشربوا إلا رنقا
[3]، و إن قاتلتموني قاتلتكم، ثمّ إن ظهرت عليكم سبيت النساء و قتلت الرجال، و لم
أترك منكم أحدا ينزل الحرم أبدا! فأبت جرهم أن تنزله/ طوعا و تعبّت لقتاله [4]،
فاقتتلوا ثلاثة أيام أفرغ عليهم فيها الصبر، و منعوا النصر [5]، ثم انهزمت جرهم
فلم يفلت منهم إلا الشّريد. و كان مضاض بن عمرو قد اعتزل حربهم و لم يعنهم في ذلك،
و قال: قد كنت أحذّركم هذا. ثم رحل هو و ولده و أهل بيته حتّى نزلوا قنونى [6] و
ما حوله، فبقايا جرهم [7] به إلى اليوم، و فني الباقون؛ أفناهم السيف في تلك
الحروب.
شعره في نفي جرهم عن
الحرم
قالوا: فلما حازت خزاعة
أمر مكّة و صاروا و أهلها جاءهم بنو إسماعيل و قد كانوا اعتزلوا حرب جرهم و خزاعة،
فلم يدخلوا في ذلك، فسألوهم السّكنى معهم و حولهم فأذنوا لهم، فلما رأى ذلك مضاض
بن عمرو بن الحارث و قد كان أصابه من الصّبابة إلى مكّة أمر عظيم، أرسل إلى خزاعة
يستأذنها، و متّ إليهم برأيه [8] و توريعه قومه عن القتال [9]، و سوء العشرة في
الحرم، و اعتزاله الحرب، فأبت خزاعة أن يقرّوهم و نفوهم عن الحرم كلّه، و قال عمرو
بن لحي لقومه: من وجد منكم جرهميا قد قارب الحرم فدمه هدر [10]! فنزعت إبل لمضاض
بن عمرو بن الحارث بن مضاض بن عمرو، من قنونى تريد مكة، فخرج في طلبها حتّى وجد
أثرها [11] قد دخلت مكة، فمضى على الجبال نحو أجياد، حتّى ظهر على أبي قبيس [12]
يتبصّر الإبل في بطن وادي/ مكّة، فأبصر الإبل تنحر و تؤكل و لا سبيل له إليها،
فخاف إن هبط الوادي أن يقتل، فولّى منصرفا إلى أهله و أنشأ يقول:
[6]
قنوني، بفتح القاف و النون: واد من
أودية السراة يصب إلى البحر في أوائل أرض اليمن من جهة مكة. ط، مب «فنوني» بالفاء و بضبط
سابقه، في مط «فنونا». قال ياقوت «موضع في بلاد العرب».
[13]
التربع: الإقامة بالمكان. و واسط:
موضع بالحجاز في طريق منى. و ذو الأراكة: نخل بموضع من اليمامة. ما عدا ط «من ذي الأريكة»، تحريف.
مب «من ذي أراكة». مط «من ذي أراك».