لا أبصره فقال: بشّر الجنّ
و أجناسها، أن وضعت المطيّ أحلاسها [1]، و كفّت [2] السماء أحراسها، و أن يغصّ
السّوق أنفاسها [3]، قال: فوثبت مذعورا و عرفت أنّ محمّدا/ رسول اللّه صلّى اللّه
عليه و سلّم مصطفى، فركبت فرسي و سرت حتّى انتهيت إليه فبايعته و أسلمت، و انصرفت
إلى ضمار فأحرقته بالنار.
خروجه إلى النبي صلّى
اللّه عليه و سلّم و إسلامه
و قال أبو عبيدة: كانت تحت
العبّاس بن مرداس حبيبة بنت الضحّاك بن سفيان السّلمي أحد بني رعل [4] بن مالك،
فخرج عبّاس حتى انتهى إلى إبله و هو يريد النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، فبات
بها، فلمّا أصبح دعا براعيه فأوصاه بإبله، و قال له: من سألك عنّي فحدّثه أنّي
لحقت بيثرب، و لا أحسبني إن شاء اللّه تعالى إلّا آتيا محمّدا و كائنا معه، فإني
أرجو أن نكون برحمة من اللّه و نور، فإن كان خيرا لم أسبق إليه، و إن كان شرّا
نصرته [5] لخئولته، على أني قد رأيت الفضل البيّن و كرامة الدنيا و الآخرة في
طاعته و مؤازرته، و اتّباعه و مبايعته، و إيثار أمره على جميع الأمور، فإن مناهج
سبيله واضحة، و أعلام ما يجيء به من الحقّ نيرة، و لا أرى أحدا من العرب ينصب [6]
له إلا أعطي عليه الظفر و العلوّ، و أراني قد ألقيت عليّ محبّة له، و أنا باذل
نفسي دون نفسه أريد بذلك رضا إله السماء و الأرض، قال: ثم سار نحو النبيّ صلّى
اللّه عليه و سلّم، و انتهى الراعي نحو إبله، فأتى امرأته فأخبرها بالّذي كان من
أمره و مسيره إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، فقامت فقوّضت بيتها، و لحقت
بأهلها، فذلك حيث يقول عبّاس بن مرداس، حين أحرق ضمارا و لحق بالنبيّ صلّى اللّه
عليه و سلّم:
- و الأوس و الخزرج: ابنا حارثة بن ثعلبة العنقاء و
من بطون الخزرج بنو عدي بن النجار أخوال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، تزوج
منهم جده هاشم سلمى بنت عمرو و النجارية أم عبد المطلب.
[1]
أحلاس: جمع حلس بالكسر، و هو كساء على
ظهر البعير تحت البرذعة.
[3]
في الأصول «أن بعض» و لعل صوابه ما أثبتنا، أي و بشر الجن بأن يغص
... و بشّر هنا بمعنى أنذر، و يغص أنفاسها: يصيبها بغصة، و السوق: الدفع الشديد. و
المعنى: لم يعد لها سلطان، و كانت العرب تعتقد أن الجن تأتي بخبر السماء فتلقيه في
جوف الأصنام.
و جاء في رواية الروض
الأنف «عن عباس بن مرداس أنه
كان في لقاح له نصف النهار، فاطلعت عليه نعامة بيضاء عليها راكب عليه ثياب بيض،
فقال لي: يا عباس أ لم تر أنّ السماء كفت أحراسها، و أن الحرب جرعت أنفاسها، و أن
الخيل وضعت أحلاسها، و أن الّذي نزل عليه البر و التقى يوم الاثنين ليلة الثلاثاء،
صاحب الناقة القصواء. قال: فخرجت مرعوبا قد راعني ما رأيت، و سعيت حتى جئت وثنا لي
يقال له الضمار كنا نعبده و نكلم من جوفه ...». و القصواء: الّتي قطع طرف أذنها، و هو لقب ناقة
رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، و لم تكن ناقته قصواء، و إنما كان هذا لقبا
لها، و قيل: كانت مقطوعة الأذن.