و قال: هذا بيت سوف أهجى
به أو بمعناه، و أنشده جماعة من أصحابه و أهل الرواية و قال: اشهدوا أنّي قائله،
فقالوا: ويحك ما أردت [إلا] [1] أن تهجو/ نفسك به، و لو بالغ عدوّك ما زاد على
هذا. فقال: لا بدّ من أن يقع على خاطر غيري، فأكون قد سبقته إليه، فقالوا له: أما
هذا فشرّ قد تعجّلته، و لعلّه لا يقع لغيرك، فلمّا هجاه به حاجب الفيل استشهدهم
على أنه هو قائله، فشهدوا على ذلك، فقال يردّ على حاجب:
هيهات ذلك بيت قد
سبقت به
فاطلب له ثانيا يا حاجب الفيل
أخبرني أحمد بن عثمان
العسكريّ المؤدّب قال: حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال: حدّثنا قعنب بن المحرز
الباهليّ عن أبي عبيدة قال: كان ثابت قطنة قد جالس قوما من الشّراة [2] و قوما من
المرجئة [3] كانوا يجتمعون فيتجادلون بخراسان، فمال إلى قول المرجئة و أحبّه،
فلمّا اجتمعوا بعد ذلك أنشدهم قصيدة قالها في الإرجاء:
[1]
سقطت هذه الكلمة من جميع الأصول. و
سياق الكلام يقتضيها.
[2]
يسمي الخوارج أنفسهم «الشراة»، جمع شار كقاض و قضاة، من شرى كرمى بمعنى باع،
لقولهم: شرينا أنفسنا في طاعة اللّه أي بعناها و وهبناها، أخذ من قوله تعالى:وَ مِنَ النَّاسِ
مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ
أو من شرى بمعنى اشترى لقولهم: شرينا
الآخرة بالدنيا أي اشتريناها.
[3]
المرجئة: فرقة من الفرق الإسلامية؛ و
الإرجاء على معنيين: أحدهما التأخير، من أرجأه إذا أخره، و ترك الهمز لغة فيه، قال
تعالى:
قالُوا أَرْجِهْ وَ
أَخاهُ* أي أمهله و أخره، و الثاني: إعطاء الرجاء، و على هذا فهو من
أرجى أي بعث فيه الرجاء، أما إطلاق اسم المرجئة على هذه الجماعة بالمعنى الأول
فلأنهم كانوا يؤخرون العمل عن الإيمان؛ و أما بالمعنى الثاني فلأنهم كانوا يقولون:
لا تضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة. و قيل: الإرجاء تأخير حكم
صاحب الكبيرة إلى يوم القيامة، فلا يقضى عليه بحكم ما في الدنيا، و قد غلت طائفة
من المرجئة فقالوا «إن الإيمان عقد بالقلب، و إن أعلن الكفر بلسانه بلا
تقية، و عبد الأوثان أو لزم اليهودية أو النصرانية في دار الإسلام، و عبد الصليب و
أعلن التثليث في دار الإسلام، و مات على ذلك فهو مؤمن كامل الإيمان عند اللّه عزّ
و جلّ، وليّ للّه، من أهل الجنة».
و قيل: إن أول من قال
بالإرجاء الحسن بن محمّد بن علي بن أبي طالب، و كان يكتب فيه الكتب إلى الأمصار،
إلا أنه ما أخر العمل عن الإيمان كما قالت المرجئة، لكنه حكم بأن صاحب الكبيرة لا
يكفر، إذ الطاعات و ترك المعاصي ليست من أصل الإيمان حتى يزول الإيمان بزوالها- انظر
«الملل و النحل» للشهرستاني
1: 144، و «الفرق بين الفرق» للبغدادي
ص 190.