كان محمّد بن يسير يعاشر ولد جعفر بن سليمان، فأخذ منه قثم بن جعفر ألواح آبنوس كان يكتب فيها بالليل، فقال ابن يسير في ذلك:
أبقت الألواح إذ أخذت
حرقة في القلب تضطرم
زانها فصّان من صدف
و احمرار السّيّر [1] و القلم
و تولّى أخذها قثم
لا تولّى نفعها قثم
شعره إلى بعض الهاشميين و قد جفاه
أخبرني الأخفش قال: حدّثنا محمّد بن يزيد قال:
كان محمّد بن يسير يعاشر بعض الهاشميين، ثم جفاه الهاشميّ لملال كان فيه فكتب إليه ابن يسير قوله:
قد كنت منقبضا و أنت بسطتني
حتى انبسطت إليك ثم قبضتني
أذكرتني خلق النّفاق و كان لي
خلقا فقد أحسنت إذ أذكرتني
لو دام ودّك و انبسطت إلى امرئ
في الودّ بعدك كنت أنت غررتني
فهلمّ نجتذب التّذاكر بيننا
و نعود بعد كأنّنا لم نفطن [2]
قوله و قد أفاق من سكر
أخبرني أحمد بن العبّاس العسكريّ قال: حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال: حدّثنا مسعود بن يسير قال:
شرب محمّد بن يسير نبيذا مع قوم فأسكروه، حتى خرج من عندهم و هو لا يعقل فأخذ رداءه و عثر في طريقه و أصاب وجهه آثار؛ فلما أفاق أنشأ يقول:
شاربت قوما لم أطق شربهم
يغرق في بحرهم بحري
لمّا تجارينا إلى غاية
قصّر عن صبرهم صبري
خرجت من عندهم مثخنا [3]
تدفعني الجدر إلى الجدر
مقبّح المشي كسير الخطا
تقصر عند الجدّ عن سيري [4]
فلست أنسى ما تجشّمت [5] من
كدح و من جرح و من أثر [6]
و شقّ ثوب و توى [7] آخر
و سقطة بان بها ظفري
[2] فطن إليه و له، كفرح و نصر و كرم: فهم.
[3] أثخنه: أوهنه بالجراحة و أضعفه.
[4] في الأصول:
«مقبح المشي كثير الخطا
يقصر عند الجدّ عن سري»
[5] في الأصول «ما نحبى: من» و هو تحريف و الوزن غير مستقيم؛ و قد صححته كما ترى.
[6] الكدح: كل أثر من خدش أو عض. و قيل: الكدح أكبر من الخدش. و الأثر: أثر الجرح يبقى بعد البرء.
[7] توى كفرح توى: هلك. و في ب، س «و ثور أخد» و في ج: «و ثوى أخذ» و هو تحريف.